هذا الـمجلس الذي تـحصّنَ ضدّ الناس الذين يدّعي تـمثيلهم، وضدّ دماء الأبرياء ودموع الأمهات الثكالـى والآباء الـمفجوعيـن، سقطَ منذ زمن بعيد، عندما أعطى الثقة لـحكومات من دون موازنات ولا قطع حسابات، وعندما شاركَ وتواطأ مع كل الفاسدين والبلطجية لتمرير الصفقات والتلزيـمات، وسكتَ وتغاضى عن الـهدر والسرقات والتجاوزات والـمخالفات... فكان السبب الأول والـمسؤول الأول فـي تبخُّر أموال الـمودعيـن وإفلاس الـخزينة والبنك الـمركزي والـمصارف وانـهيار الوطن.

لقد تـحصّنَ الـمجلس وتلطّى بالـمادة 39 من الدستور التـي تـمنع ملاحقة النائب جزائـياً بسبب أعماله النيابـية والتشريعية والرقابـية وتصريـحاته وآرائه الـمرتبطة بـمهماته النيابـية وما يتعلّق بـها. ولكنها لـم تـمنحه حصانة مُطلقَة من دون قيد أو شرط. وإلاّ يكون قد أصبح نصف إله وأكثر.

ولـهذا تـنحصِر حصانة النائب بالآراء والـمواقف التـي تصدر عنه وتكون متصلة حصراً بعمله النيابـي ، وتـخرج عن هذه الـحصانة جـميع الأفعال التـي يُقدِم عليها فـي حياته الـخاصة، ولا تلازِمه عندما يُعيَّـن وزيراً، ولا تـحميه فـي حال إرتكابه مـخالفات أو تقصيـر أثـناء مـمارسته مهمّاته الوزارية.

فالـحصانة يا سادة هي حـماية زائفة، لا تـمنع مثول النائب أمام القضاء وتوقيفه إذا إقـتضى الأمر ومـحاكمته فـي شأن ما نُسِب إليه أو ما قد يُنسَب إليه من جرائم من دون الـحاجة إلـى إذن. وهذا يسري على كل القادة الأمنيـيـن والسياسيـيـن وغيـرهم... فكل الناس سواسية أمام القانون.

يشهد لبنان اليوم أكبـر عملية تـهرُّب من العدالة فـي التاريخ. فيا حضرة القاضي طارق البيطار، لا حاجة لإذن الـملاحقة ولا للإنـتظار. بالأمس، أسقطَ أهالـي ضحايا الـمرفأ كل الـحصانات... "أَصدِر قراركَ الظنـي، واذكُر فيه بالأدلّة والبـراهيـن، كل الأسباب والـمعطيات التـي دفعتكَ إلـى ملاحقة هؤلاء"... وحدهُ مَن يـخشى العدالة يتحصّن ويتلطّى بـحصانته، فالبـريء لا يـحتاج إلـى حصانة ولا إلـى حـماية من "حزب الله".

فـي الثانـي من تـموز الـجاري صرّح وزير الداخلية مـحمد فهمي لـ "النهار" بأنّ "طريقة القاضي البـيطار قانونية مئة بالـمئة، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ جـميعنا سنطبِّق القانون". أمّا بعد إطلالة السيد حسن نصرالله وقوله إنّ قرار القاضي البـيطار "شكل من أشكال التوظيف السياسي للقضية، وسابقاً، (مع القاضي فادي صوان) رفضنا هذا الـموضوع ونعود لنؤكِّد رفضنا له"... غيّـر وزير الداخلية موقـفه، وردَّ طلب الـملاحقة الـموجَّه إليه بـحقّ الـمدير العام اللواء عباس إبراهيم !

لقد فقدَت هذه الطغمة الفاسدة إنسانيتها ، لـم يعد يعنـي لـها شيئاً دماء الأبرياء وجوع الناس وموت الأطفال ودموع الأمهات... هـمّها الوحيد تأميـن الـحصانات للفاشليـن والفاسدين والـمتورّطيـن فـي جريـمة إنفجار الـمرفأ، من أجل الـحفاظ على استمـرارية عهرهم وعلى مستقبل أولادهم وأحزابـهم.

إنّ ما قاله نائب رئيس مـجلس النواب إيلي الفرزلـي بعد إنـتهاء إجتماع هيئة مكتب الـمجلس مع لـجنة الإدارة والعدل النيابـية "بوجوب طلب خُلاصة عن الأدلّة الواردة بالتحقيق وجـميع الـمستندات والأوراق التـي من شأنـها إثبات الشبهات.. للتأكُّد من حيثيات الـملاحقة"، هو تَعدٍّ على السلطة القضائية ومَسّ بفصل السلطات وخرق فاضح لسرية التحقيق.

إنّ التدخُّل السياسي السافِر، والـحصانة غيـر الـمبـرَّرة للمسؤوليـن السياسيـيـن والأمنيـيـن، يستوجب فوراً الطلب من مـجلس حقوق الإنسان التابع للأمم الـمتحدة، إنشاء لـجنة تـحقيق دولية لتَقَصّي الـحقائق فـي أفظع جريـمة حصلت فـي التاريخ الـحديث.