والآن بعد ان بات النائب ​سعد الحريري​ خارج صورة رئاسة الحكومة، تتجه الانظار الى ما ستؤول اليه الاستشارات النيابية الملزمة التي من المقرر ان يحددها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتكليف شخصية اخرى. من المتوقع ان يسارع عون الى تحديد الموعد في وقت قريب، من الطبيعي ان يكون بعد عطلة عيد الاضحى، للاعتبارات والظروف المعروفة، كما ان هذه الايام القليلة تساهم في زيادة الاتصالات والمشاورات للخروج بصيغة مقبولة للتكليف. هذه المرة تختلفالامور عما كانت عليه قبيل تكليف السفير مصطفى اديب وبعده حسان دياب، فاليوم يبدو وكأنّ هامش الوقت بدأ يضيق، كما ان هامش المناورات الداخلية اخذ بدوره ينقص وينكمش، والحركة الدولية الناشطة تتصاعد، مع كل ما يعنيه ذلك من تقارب في رؤية اللاعبين الخارجيين الاساسيين لما يجب ان تؤول اليه الاوضاع في لبنان.

ولكن، على الرغم من كل ذلك، ليس من المنطقي والواقعي الاستسلام للتفاؤل، فعوامل مراوحة الوضع اللبناني مكانه، لا تزال موجودة بقوة. لذلك، يرى الكثير من المتابعين انه من اليوم وحتى الرابع من آب المقبل، سيكون الاستحقاق الحكومي على نار حامية، فإما نجاح الشخصية المكلفة بتشكيل حكومة يتلقفها الخارج ويبدأ التعاون معها، واما تمديد الازمة بعوامل خارجية لتلطيف الاجواء قدر الامكان، فنبقى في خانة "المصيبة" انما من دون ان نتعداها الى "الفلتان الكلي"، مع كل ما يعنيه ذلك من تباعد دولي مع المسؤولين الرسميين من جهة، وتوفير الحدّ الادنى من مقوّمات البقاء والصمود للبنانيين، من جهة اخرى، وهذا هو الهدف الاساسي لمؤتمر الرابع من آب الذي دعا اليه الفرنسيّون.

من الواضح انّ الشخصية التي ستتولى تشكيل الحكومة العتيدة، ستخسر الكثير وستطلب ضمانات اكثر خصوصاً اذا كان احد الشروط الاساسية عدم ترشّحها للانتخابات النيابية، ما يعني انها ستدخل "نعيم المناصب" لفترة محدودة فقط، وتغادر ليتمّ نسيانها، وهو امر لن يقبل به احد. اما العوامل الاخرى، فمن المفترض ان تكون متواجدة، وابرزها تأمين الغطاء السعودي للمظلّة الدينيّة للشخصيّة المعنيّة، لتتفادى مواجهة ما حصل مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب لجهة انتظاره اسابيع طويلة وعديدة ليستقبله المفتي عبد اللطيف دريان، كما ان التظاهرات وقطع الطرقات والضغط في الشارع فور اعلان اسمه، ستكون غائبة نوعاً ما ولو ان بعض البلبلة لا مفرّ منه، ولكنه لن يكون بحجم فاعل. على خط آخر، لن يواجه بديل الحريري مقاومة عنيفة من اللاعبين المحليين الآخرين، لاعتبارات عدّة وبالاخصّ اذا كان من خارج نادي اللاعبين السياسيين الاساسيين ومن ينتمي اليهم مباشرة، كي لا يستفز احداً، ويوحي بالاطمئنان الى انّ اللعبة الانتخابيّة التي باتت محور الاهتمام المحلّي والدولي، ستبقى على قواعدها وشروطها من دون أيّ تغيير أساسي لصالح هذه القوة او تلك.

اما على الصعيد الدولي، فمن نافل القول انه في حال حصول الشخصية على البركات الدولية، فإنها ستكون شبه معفاة من تحضير بيان وزاري منمّق، والسير بين الغام الكلمات والعبارات، لانّ سلاح حزب الله سيكون خارج المعادلة، والنظريات الاقتصاديّة والسياسية ستنحصر، كما كشف الحريري نفسه منذ ايام، بالتعاون مع البنك الدولي وتحضير القوانين اللازمة التي يطلبها، بتجاوب محسوم مع مجلس النواب بطبيعة الحال.

من هنا، فإن عوامل نجاح الشخصية التي ستسمى اكبر بكثير من فشلها، ولكن العجلة الدولية خادعة، فهي غالباً ما تتوقف عندما يتعلق الامر بلبنان بعد ان تكون قد دارت بشكل طبيعي ومطمئن، لانّأيّ توتر حول اي موضوع على طاولة البحث الدولية، ينعكس سلباً على لبنان ككل. وعليه، يجب ترقب وانتظار ما سيحمله الرابع من آب المقبل، فإما نكون قد وصلنا الى الحدود النهائية للتأليف والانطلاق ببركة دوليّة عارمة، وامانعود الى نقطة انطلاق ما بعد الحريري، مع اجراءاتتخفيفية لتهدئة الاوضاع والنفوس وتجنب الانزلاق الى المحظور.