لا يبدو أن أيّا من الأفرقاء المحليين يملك، في الوقت الراهن، أي تصور عن مرحلة ما بعد اعتذار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيث أن إعادة تكليفه من جديد تبدو من دون أيّ قيمة فعليّة، بسبب عدم قدرته على التأليف، بينما من الناحية العملية ليس هناك من شخصية سنية وازنة مستعدة لتولي المنصب من دون غطاء من تيار "المستقبل" ودار الفتوى.

في المقابل، قوى الأكثرية، إذا كانت في الأصل هذه التسمية لا تزال تصحّ في ظل الخلافات بين أركانها، ليست في وارد الذهاب إلى تسمية أيّ شخصية من دون الإتفاق مع الحريري، حيث لا يزال "الثنائي الشيعي" يضع خطاً أحمرَ حول هذه المسألة، نظراً إلى التداعيات التي ستتركها على مستوى التوتر بين الطائفتين السنية والشيعية.

إنطلاقاً من ذلك، كان هناك شبه إجماع على أن البلاد تتجه إلى أزمة تأليف طويلة الأمد لا يمكن الخروج منها بسهولة، لا بل أن البعض ذهب إلى حدّ توقع بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، إلا أن هذا الأمر لا يمكن تصوره، بسبب بعض المعطيات التي ستكون ضاغطة على جميع المعنيين في المرحلة المقبلة، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية متابعة لـ"النشرة".

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن تجاهل حجم المواقف الدوليّة التي صدرت بعد اعتذار الحريري، التي أجمعت على أنّ المطلوب الذهاب إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، في حين أن بعضها ذهب إلى حد الدعوة إلى القيام بذلك فوراً، وتلفت إلى أن هذه المواقف لم تخرج عن دائرة التأكيد على أن المشكلة داخلية بالدرجة الأولى، بغض النظر عن تأكيدات القوى المحلية على وجود عوامل عرقلة محليّة، كمثل الحديث عن الحصار الأميركي أو الفيتو السعودي.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذه الضغوط الخارجية لا تنفصل عن ورقة العقوبات التي يلوح بها الاتحاد الأوروبي، كان وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان قد حدد موعد فرضها قبل نهاية الشهر الحالي، حيث من المتوقع أن ترتفع حدّتها في حال عدم الإتفاق على تشكيل الحكومة، بالرغم من المواقف الدوليّة الأخرى، أبرزها من جانب روسيا، التي كانت رفضت هذا الأمر، معتبرة أنه تدخلاً في الشؤون الداخلية ال​لبنان​ية.

إلى جانب هذا المعطى الخارجي، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى آخر محلي من المفترض أن يشكل عامل ضغط على الأفرقاء المعنيين، يتمثل بإرتفاع مستوى الفوضى في الشارع، على وقع الارتفاع الجنوني المستمر في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الذي ينعكس إرتفاعاً في أسعار مختلف السلع، الأمر الذي سيكون من عوامل إعادة تحريك الشارع على نطاق واسع.

في هذا الإطار، تعود المصادر نفسها إلى التذكير بالتقارير التي كانت تلقتها معظم المرجعيات، قبل اعتذار الحريري، عن الواقع الأمني، لتلفت إلى الموقف الذي أعلنه قائد الجيش العماد جوزاف عون، حيث لفت إلى أنالوضععلىمايبدويزدادسوءاًوالأمورذاهبةإلى التصعيدلأنلبنانأماممصيرسياسيواجتماعيمأزوم، وتؤكد أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون تفصيلاً عابراً، خصوصاً إذا ما ربط بالتطورات التي يشهدها ملف التحقيقات في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّه على الرغم من الصورة السوداويّة التي تطبع المرحلة، فإنّ الضغوط الخارجيّة، التي من المرجّح أن تزداد وتيرتها، بالإضافة إلى خطر الفوضى، الذي يرتفع يوماً بعد آخر، قد تفتح الباب لعودة جميع الأفرقاء إلى الواقعيّة، والذهاب إلى تشكيل حكومة سريعاً تكون أبرز مهامها الإشراف على الإنتخابات النيابية المقبلة.