أَكّدت مصر الأُسبوع الماضي، وعبر وزير الريّ والموارد المائيّة محمّد عبد العاطي، أنّ بلاده والسُّودان "لن تقبلا بالقرار الأحاديّ لملء السدّ الإِثيوبيّ وتشغيله". وجدّد تأكيد "ثوابت مصر في حفظ حُقوقها المائيّة و​تحقيق​ المنفعة للجميع في أَيّ اتّفاق في شأن سدّ النّهضة". وأَشار إِلى طلب مصر والسُّودان بمشاركة أَفرقاء دوليّين تقودها جُمهوريّة ​الكونغو​ الدّيمقراطيّة، وتُشارك فيها الولايات المُتّحدة والاتّحاد الأُوروبيّ والأُمم المُتّحدة، لدعم منهجيّة التّفاوض بين الدُّول الثّلاث في شكلٍ فاعلٍ، بهدف تعظيم فرص نجاحها، وبخاصّةٍ مع وصول المُفاوضات إِلى مرحلةٍ مِن الجُمود نتيجة ما تعتبرُه مصر "تعنُّتًا إِثيوبيًّا".

وقالت ​القاهرة​ و​الخرطوم​ إِنّ 10 سنواتٍ مِن المُفاوضات مع إِثيوبيا باءَت بالفشل، وبخاصّةٍ بعدما بدأَت أَديس أَبابا في المرحلة الثّانية مِن ملء خزّان السدّ، وهو ما تنظُر إِليه مصر والسّودان بخُطورةٍ كبيرةٍ، كونه يُهدّد مواردهما المائيّة. وقد اكتمل بناء السدّ على النّيل الأَزرق بنسبة 80 في المئة، ومِن المُتوقّع أَن يصل إِلى طاقة التّوليد الكاملة في العام 2023، ما يجعله أَكبر محطّةٍ للطّاقة الكهرومائيّة في إِفريقيا. تقول إِثيوبيا إِنّ المشروع الّذي تبلغ تكلفته 5 مليارات ​دولار​ ضروريٌّ لتعزيز التّنمية الاقتصاديّة، وإِمداد الغالبيّة العُظمى مِن سُكّانها ب​الكهرباء​.

وكانت السُّودان ومصر و​إثيوبيا​ وقّعوا "إِعلان المبادئ" في الخُرطوم، والّذي نصّ على 10 بنود ومنها: التّعاون في الملء الأَوّل وإِدارة السدّ، وأَمانه، وتبادُل المعلومات والبيانات. ولكن يبدو وكأَنّ إثيوبيا قد رمت إعلان المبادئ في سدّ النّهضة بعدما ملأته ماءً، وكأَنّها تُطبّق مع مصر والسّودان، المَثَل الشّعبيّ اللُبنانيّ القائل: "بِلّه واشرب ماءه"!...

الخيارات المُتاحَة

واليوم بات يُحكى عن خياراتٍ مُتاحةٍ أَمام مصر والسُّودان، وهي تتمثّل في مُقاضاة إثيوبيا أَوّلًا، ولكن هذه الخطوة القضائيّة ​العالم​يّة لن تمنع استمرار إِثيوبيا في الملء الثّاني للسدّ ب​المياه​!.

وثمّة خيارٌ آخر وهو يتمثّل في مُواصلة التّفاوض، بَيْد أَنّ هذا الأَمر بات مُجرّبًا فهل مِن داعٍ لإِعادةٍ التّجربة؟... بخاصّةٍ وأَنّ "مَن جرّب المُجرّب... فسيحصُد النّدامة".

وأَمّا الخيار الثّالث فيقوم على استخدام العُنف، وليس واضحًا إِلى الآن، هل سيكون المُجتمع الدّوليّ ضدّ هذا الخيار بالمبدإِ... لذا فقد بات هامش الخيارات ضيّقًا أَمام السُّودان ومصر، في ظلّ ما تشعران به مِن ​هزيمة​ٍ سياسيّةٍ في هذا المجال... إِنّها هزيمةٌ سياسيّةٌ، وفي نهج التّفاوض، أَكثر منها هزيمة اقتصاديّة أَو فنيّة".

ويُقال في هذا المجال إِنّ إِثيوبيا قد "نجحت في نهجها التّفاوضيّ، وقرأت نفسيّات النّخب في مصر والسُّودان، وتعاملت معهُما بأُسلوب المُراوغة، وكسب الوقت، وأَحدثت اختراقاتٍ بين النُّخب السّياسيّة في الدّولتين"...

وأَمّا "عجز إِثبات السُّودان ومصر الحُقوق في مجلس الأَمن لدّوليّ، فسيُتيح لدول حوض النّيل الأُخرى المُطالبة بأَمرَيْن اثنَين: أَوّلا تحفيز أَيّ دولةٍ مِن دُول الحوض إِلى إِقامة سُدودٍ مِن دون اتّفاقٍ أَو مُشاورةٍ، وهذا مُتوقّعٌ مُستقبلًا في سياق ما بات يُعرَف بتسمية "حرب المياه" ليس فقط في القارّة الأَفريقيّة السّمراء وحسب، بل وفي كُلّ أَقطار العالم... وثانيًا المُطالبة بإِعادة (تحديد) حصص المياه في نهر النّيل الأَبيض والأَزرق. ولا تغيب مُعادلة توازن الرُّعب في الملفّ المائيّ الشّائك هذا، إِذ إِنّ أَيّ استهدافٍ عسكريٍّ لسدّ النّهضة، سيترتّب عليه ردٌّ مِن إِثيوبيا، باستهداف أَهدافٍ حيويّةٍ في السُّودان أَو مصر، ما سيُؤدّي تاليًا إِلى إِشعال المنطقة بأَكملها".

هي قنابل مائيّةٌ مُنتشرةٌ حول العالم، وقد تكون أَشدّ خُطورةً مِن القنابل الهيدروجينيّة!.