قضي الأمر، وأصبح ​نجيب ميقاتي​ رئيس الحكومة المكلَّف، الثالث منذ استقالة حكومة حسّان دياب، بعد تجربتين "مرّتين" للسفير ​مصطفى أديب​، ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، وبنسبة أصوات عالية نسبيًا، ولو أنّها افتقدت إلى ما يصطلح على تسميتها بـ"الميثاقية"، نتيجة إحجام الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين عن إعطائه أصواتهما.

من هذه النقطة بالتحديد، يبدأ "رصد" مستوى "التقاطع" بين ميقاتي، و"سلفه" الحريري، فالرجلان حصدا تأييدًا "إسلاميًا" شاملاً وجامعاً، في مقابل "انكفاء" مسيحي، إن جاز التعبير، وهو ما يخشى كثيرون أن ينعكس تلقائيًا على مرحلة التأليف كما حصل مع الحريري، الذي رفض مجرّد "التشاور" مع من لم يسمّوه، وفي مقدّمهم الوزير السابق ​جبران باسيل​.

ولأنّ "امتعاضًا عونيًّا" ظهر في الكواليس خلال اليومين الماضيين، بعدما تساءل بعض الناشطين والمغرّدين عمّا إذا كان الأمر "يستحقّ" تطيير الحريري للإتيان بميقاتي مكانه، ثمّة من يسأل، في الجوهر والعمق، عمّا إذا كان ميقاتي سيستطيع فعلاً إحداث "الخرق" الذي لم يقوَ عليه "الشيخ سعد"، حتى "تُعبَّد" الطريق أمامه، خلافًا للآخرين.

في هذا السياق، يحاول البعض "تفكيك" السيناريوهات المحتملة لما بعد التكليف، وهي قد لا تكون كثيرة، يتقدّمها "سيناريو" إيجابيّ، قد تنطبق عليه صفة "ما يتمنّاه المشاهدون"، إن جاز التعبير، ولو أنّه يصطدم واقعيًا بالكثير من المطبّات والعقد، وربما الألغام، التي تجعله محفوفًا بالمخاطر، التي تكرّس الواقع القائم حاليًا.

يقوم هذا "السيناريو" على مجموعة مؤشّرات إيجابيّة سبقت التكليف وأحاطت به، تستند أولاً إلى سلسلة "ضمانات" داخليّة وخارجيّة حصل عليها ميقاتي قبل موافقته على التكليف، علمًا أنّ المقرّبين منه كانوا يتحدّثون صراحةً عن "شروط" يفرضها للقبول بالمهمّة، حتى يكون بالإمكان الرهان على نجاحها، ولو أنّ ذلك يبقى احتمالاً.

وإلى هذه "الضمانات"، يؤكد العارفون أنّ ميقاتي يستند أيضًا إلى ثقة دوليّة واضحة، وإلى دعم خارجيّ لا غبار عليه، ولا سيما فرنسيّ، في حين تبقى الإشكاليّة السعوديّة على حالها، ولو أنّ البعض يعتبر أنّ "فرصة" ميقاتي أفضل من الحريري، باعتبار أنّ الرياض وإن كانت لا "تبارك" تسميته، لا تفرض عليه أيّ "فيتو" بالمُطلَق، وهي تنتظر الحكومة لتبني عليها المقتضى.

وتستند الإيجابية أيضًا إلى موقف ميقاتي نفسه، الذي يبدو أنّه "فكّك" منذ ما قبل تسميته، "اللغم" الأول، بتأكيده "انفتاحه" على جميع الأفرقاء، فاتحًا بذلك باب الحوار مع سائر الأفرقاء، وعلى رأسهم باسيل، علمًا أنّ هناك من توقف عند الرسائل الإيجابية التي تعمّد رئيس الجمهورية توجيهها له، حين أكد نيته التعاون معه، معتبرًا أنّه "يأخذ ويعطي".

يُضاف إلى كلّ ما سبق "النَّفَس الإيجابيّ" الذي يحاول ميقاتي بثّه، هو الذي يسرّب المقرّبون منه، أنّه وخلافًا للحريري، سيقيّد نفسه بمهلةٍ غير مفتوحة، لأنّ البلاد لا تحتمل "ترف المماطلة"، فإما ينجز حكومته قبل انقضاء هذه المهلة، وإما يعتذر عن استكمال المهمّة سريعًا، ليرمي بذلك الكرة في ملعب "المعطّلين"، الذين سيكون عليهم تحمّل المسؤولية كاملة.

لكن، من هذه "الثغرة" ربما، ينطلق الحديث عن السيناريو المقابِل، والذي ينطوي على "سلبيّة" قد لا تكون خافية على أحد، إذ إنّ هناك من يخشى أن يكون ميقاتي آتيًا ليكمل من حيث انتهت تجربة الحريري، ويتمسّك بالتالي بدفتر "شروط" الأخير، بل حتّى بالتشكيلة "المرفوضة" التي قدّمها لرئيس الجمهورية في لقائهما ما قبل الأخير، ربما مع بعض التعديلات الطفيفة.

بهذا المعنى، قد لا يَعِد تكليف ميقاتي بالجديد "النوعيّ"، بل سيكون استكمالاً لمرحلة تكليف الحريري، التي لم تُفضِ إلى أيّ نتيجة، ولو أنّ البعض يراهن على "اختلافٍ" من منطلق استعداد رئيس الحكومة المكلَّف إلى التشاور والحوار مع الجميع، وهو ما قد يحمل في الشكل على الأقلّ، وبمعزل عن المضمون، مؤشّرات حول إمكانية حلّ بعض العقد والصعوبات.

وثمّة من يذهب أبعد من ذلك، بالخشية من أن يستند ميقاتي إلى "الشعبوية" في مواقفه، بحيث لا يقدم على أيّ خطوة لتسهيل التأليف، إذا شعر أنّ هناك من سيفسّرها "تنازلاً"، علمًا أنّ "التصويب" عليه من جانب بعض القوى السياسيّة السنّية، خارج دائرة رؤساء الحكومات السابقين، بدأ باكرًا، وسيكون عليه "التصدّي" له بكلّ السبُل المُتاحة.

وإذا كان البعض يتوجّس ممّا يمكن أن "ينطوي" على ذلك من تبعات، يؤكد آخرون أنّ بيان نادي رؤساء الحكومات السابقين عشيّة ​الاستشارات النيابية​ سيكون "الفيصل"، فهو حمل، إن جاز التعبير، "المسلّمات" التي سينطلق منها الرجل ولن يحيد عنها، في حين أنّ كلّ ما عداها سيكون قابلاً للنقاش والحوار، وبالتالي الأخذ والعطاء.

في المحصّلة، يتفاءل البعض خيرًا بالتجربة الجديدة التي قد يؤسّس لها ميقاتي، هو الذي أدّى التداول باسمه ل​رئاسة الحكومة​ إلى "انتعاش" في الأسواق، ترجِم انخفاضًا ملحوظًا للدولار، بعد ارتفاع قياسيّ وغير مسبوق تسبّب به اعتذار الحريري، وسط آمالٍ بأن يواصل تراجعه هذا في حال نجاح الرجل في تشكيل حكومة سريعًا كما يمنّي النفس.

لكن دون ذلك صعوبات ومعوّقات كثيرة لا يجوز تجاهلها أو القفز فوقها، علمًا أنّ هناك من يصرّ على التعامل مع التكليف وكأنّه "مرحلة وستقطع"، لأنّ الرجل لن يقدّم ما لم يقدّمه الحريري، كما أنه لن يُعطى في المقابل ما لم يُعطَ للحريري، وهنا "بيت القصيد" الذي من شأنه تخريب كلّ الأجواء الإيجابيّة...