لا يمكن فصل العامل الخارجي عن التوافق الذي حصل على تسمية رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​، نظراً إلى أن معظم الأفرقاء الداخليين كانوا عاجزين عن الوصول إلى أي تفاهم بعد اعتذار رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، الذي ذهب إلى الإعلان عن أنه لن يعمد إلى تسمية أيّ شخصية بديلة عنه، قبل أن يضطر إلى التراجع عن هذا الموقف.

في هذا الإطار، بدأت الضغوط الخارجيّة مباشرة بعد اعلان الحريري عن اعتذاره. حيث كان واضح التنسيق الأميركي-الفرنسي على هذا الصعيد، من خلال إعلان وزارة الخارجية الأميركية أن وزير الخارجية ​أنتوني بلينكن​ يبحث مع نظيره الفرنسي ​جان إيف لودريان​ الجهود المبذولة لمعالجة الوضع في لبنان، في المقابل كانت العديد من العواصم الأخرى تعلن أن المطلوب ​تشكيل الحكومة​ فوراً.

من حيث المبدأ، لعبت باريس الدور الأساسي في الضغط على مختلف الأفرقاء السياسيين، لتأمين وصول ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، وهي كانت قد أجرت سلسلة من الاتصالات لدفعهم نحو التوافق على الاسم، الذي يوصف بأنه المرشح المفضّل ل​فرنسا​ في المرحلة الراهنة، بحسب ما تؤكّد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، حيث تسعى إلى الإعلان عن تشكيل الحكومة قبل الرابع من آب.

في المقابل، دفع الواقع الداخلي الأفرقاء إلى التعاطي بعقلانيّة مع هذا الخيار، حيث تشير المصادر نفسها إلى أنّه لم يكن لدى أيّ منهم القدرة على تبنّي أي سيناريو مختلف، نظراً إلى عدم وجود أكثريّة نيّابية قادرة على ترشيح شخصيّة أخرى، خصوصاً أن "​حزب الله​" لم يقبل بتبنّي أيّ شخصية لا تحظى بغطاء من الطائفة السنّية، كالخيارات التي كان يفضلها "​التيار الوطني الحر​" على سبيل المثال.

من وجهة نظر هذه المصادر، تدرك مختلف القوى أن مروحة الخيارات لديها لم تعد واسعة، لا سيما أن البلاد ستكون في المرحلة المقبلة أمام مجموعة كبيرة من التحديات، أبرزها الذكرى السنوية ل​انفجار مرفأ بيروت​، وبالتالي من الأفضل لها الذهاب إلى توافقات تقود إلى تمرير المرحلة بالحد الأدنى من الخسائر، خصوصاً أنّ التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وصل إلى حد الانفجار الكبير.

هذا الواقع، يدفع المصادر السياسية المطلعة إلى حصر سيناريوهات مرحلة التأليف باثنين، الأول هو نجاح رئيس الحكومة المكلف في الذهاب إلى تفاهمات مع رئيس الجمهورية، الأمر الذي يقود إلى تأليف سريع، خصوصاً أن ميقاتي يضع حداً زمنياً قصيراً لنفسه للتشكيل أو الاعتذار. والأمر نفسه ينطبق على "التيار الوطني الحر"، الذي كان قد عاد إلى التلويح بورقة الاستقالة من المجلس النيابي، في حال تكرار السيناريو الذي حصل مع الحريري.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما يعزز هذه الفرضية الرسائل الإيجابية التي كان قد وجهها رئيس الجمهورية يوم السبت الماضي، بالإضافة إلى شخصية رئيس الحكومة السابق، رجل الأعمال القادر على ابرام صفقة متى وجد أن لديه مصلحة في ذلك. وهو ما ترجم في الاتصالات واللقاءات التي عقدها، قبل الاستشارات، لا سيما ذلك الذي جمعه برئيس التيار النائب ​جبران باسيل​.

السيناريو الثاني، بحسب المصادر نفسها، هو عدم قدرة ميقاتي على الاتفاق مع رئيس الجمهورية، الأمر الذي يقوده إلى الاعتذار خلال فترة قصيرة، مع ما يعنيه ذلك من رفع مستوى الضغوط الدولية وزيادة نسبة الانهيار على المستوى الداخلي، لكنها ترى أن هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن، نظراً إلى أن رئيس الحكومة المكلف ما كان ليقبل بتسميته لو لم يكن قد حصل على ضمانات بالقدرة على التأليف.

في المحصلة، لن يكون من الصعب على رئيس الحكومة المكلف النجاح في تأليف حكومة، تكون أبرز مهامها العمل على الحد من وتيرة الانهيار، نظراً إلى الدعم الخارجي الذي يحظى به بالإضافة إلى حاجة مختلف الأفرقاء المحليين لهذا الأمر، خصوصاً مع اقتراب موعد ​الانتخابات النيابية​ المقررة في العام المقبل.