بسحر ساحر، تحوّل رئيس "تيّار العزم" النائب ​نجيب ميقاتي​، من شخصيّة تتعرّض للإستهداف بحملات إعلاميّة وتُرمى بتهم الفساد، من صفقة إلزام المُواطنين بدفع 500 دولار أميركي عن كل خط إشتراك هاتفي في التسعينات إلى صفقة الإحتيال على القوانين للإستفادة عن غير وجه حقّ من قروض سكنيّة مَدعومة (1)، إلى رئيس حُكومة مُكلّف بأغلبيّة نيابيّة كبيرة (2). فما الذي تغيّر، وهل تسهيل التكليف يعني أنّنا على أبواب إنفراج ما حُكوميًا؟.

بحسب ما يتردّد، إنّ "تعليمة" وصلت من الخارج، ومن ​فرنسا​ بالتحديد، بضرورة تسمية النائب ميقاتي رئيسًا للحُكومة، الأمر الذي لاقى عدم مُمانعة عربيّة، وتأييدًا داخليًا واسعًا بحُكم الأمر الواقع، بعد أن وصل الإنهيار إلى مرحلة مُتقدّمة جدًا. وفي المَعلومات الأوّليّة أيضًا، أنّ عدم القُدرة على وقف الإنهيار بحُكومة مُشابهة للحُكومة المُستقيلة برئاسة حسّان دياب، أو بحُكومة مُواجهة من طرف واحد برئاسة النائب ​فيصل كرامي​ مثلاً، دفع الكثيرين إلى تبنّي خيار ميقاتي، خاصة وأنّ "تيّار المُستقبل" الذي كان رئيسه النائب ​سعد الحريري​ قد أشار علنًا أنّه لن يُقدم على تسمية أحد، تراجع عن كلامه ودعم وُصول ميقاتي إلى رئاسة الحُكومة. وبدا لافتًا أيضًا الدعم الذي لقيه رئيس كتلة "الوسط المُستقل" من "​حزب الله​"، على الرغم من التجارب السابقة معه والتي كانت قد خيّبت آمال "محور المقاومة"، في دليل على رغبة "الحزب" بالحد من سرعة الإنهيار بأيّ ثمن. وإذا كان تصويت حزب "القوات ال​لبنان​يّة" خلال الإستشارات غير مفاجئ، بسبب موقف "القوات" من كلّ الأكثريّة الحاكمة حاليًا، بدا لافتًا تصويت "التيّار الوطني الحُرّ" الذي تلاقى مع "القوات" في عدم تسمية أحد، لكن من مُنطلقات مُختلفة تمامًا.

وبعد أنّ مرّ مطبّ التكليف بالتي هي أحسن-بحسب القول الشائع، تتجه الأنظار إلى مرحلة التشكيل، حيث تُوجد نظريّتان في هذا الصدد:

النظريّة الأولى تعتبر أنّ التوافق الداخلي-الخارجي الحاصل، والزخم الذي تمثّل في سرعة عمليّة التكليف، سيتواصل ليطال عمليّة التشكيل. وأصحاب هذه النظريّة يعتبرون أنّ "التيّار" الذي نجح بإخراج الحريري من الحُكم على الرغم من الضُغوط الكبيرة من فريق واسع بقيادة رئيس مجلس النوّاب ​نبيه برّي​، سيتراجع عن الحُصول على حصّة تتيح له تعطيل قرارات السُلطة التنفيذيّة، وسيكتفي بالحصّة التي سينالها رئيس الجُمهوريّة، وأنّ عقدة وزارة الداخليّة ستُحل بمخرج وسطي يُرضي الجميع، الأمر الذي سيُسهّل ولادة الحُكومة سريعًا.

النظريّة الثانية تعتبر أنّ ما إنطبق على التكليف من تسهيلات من قبل العديد من الجهات، لن ينطبق على التشكيل من قبل الأطراف نفسها، وذلك لغايات ولأسباب مُختلفة تمامًا. وأصحاب هذه النظريّة يعتبرون أنّ ميقاتي لن يكون قادرًا على التنازل عمّا رفض الحريري التنازل عنه، وإلا ستحترق ورقته داخل البيئة السنيّة، علمًا أنّ "المُستقبل" يُراهن على أنّ الوقت سيُثبت أنّ العقد لم تكن منه بل من جانب "التيّار الوطني الحُرّ". وبالتالي، إنّ العقبات التي منعت الحريري من التشكيل طوال ثمانية أشهر ستتواصل مع ميقاتي، لأنّ "التيّار"–بحسب أصحاب النظريّة عينها، ينطلق في مطالبه من خلفيّات وحُقوق دُستوريّة وليس من خلفيّات شخصيّة، وكذلك من موازين قوى داخليّة هو غير مُستعدّ للتفريط بها، بغضّ النظر عن هويّة رئيس الحُكومة.

في كل الأحوال، الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة ستحمل إجابات شافية عن الوجهة المُستقبليّة لمُجمل الأوضاع في لبنان، حيث أنّ من شأن تشكيل حُكومة برئاسة ميقاتي سريعًا أن يؤمّن صدمة إيحابيّة تُخفّض سعر صرف الدولار لفترة زمنيّة مقبولة، وبالتالي تُساهم في صُمود اللبنانيّين لأشهر إضافيّة عدّة، وقد تفتح الأبواب أمام حلول فرنسيّة لمسألة الكهرباء، إلخ. أمّا في حال العودة إلى الدوران في الحلقة المُفرغة خلال مُشاورات التشكيل، فإنّ سعر صرف الدولار سيُعاود الإرتفاع، وبالتالي الإنهيار الحالي سيتواصل، ونسبة الإحتقان الداخلي ستبلغ ذروتها، خاصة وأنّنا نقترب سريعًا من إستحقاقات إنتخابيّة بالغة الأهميّة، يُراهن عليها الكثيرون في الداخل والخارج لتغيير موازين القوى.

في الخلاصة، المرحلة المُقبلة فاصلة ودقيقة، ولا شكّ أنّ شكل الحُكومة–إن تشكّلت، سيُحدّد المهمّات المَطلوبة منها، والتي قد تنحصر بحُكومة لتنظيم الإنتخابات، وُصولاً إلى حُكومة إختصاصيّين قد تضع خارطة طريق لإطلاق عمليّة النهوض، مع ما بينهما من خيارات تكنو – سياسيّة وغيرها، وُصولاً إلى إحتمال الفشل في تشكيل الحُكومة والدُخول في مراوحة قاتلة، وُصولاً ربما إلى إعتذار جديد عن التأليف!.

(1) في تشرين الأوّل من العام 2019، أصدرت النائبة العامة التمييزيّة في جبل لبنان، القاضية ​غادة عون​، قرارًا إدّعت فيه على النائب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك "عودة"، بجرم "الإثراء غير المَشروع"، من خلال حُصولهم على قروض سكنيّة مَدعومة، وأحالتهم أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت للتحقيق معهم.

(2) نال النائب نجيب ميقاتي تأييد 72 نائبًا.