إذا كان موقف تكتل "لبنان القوي" بشأن عدم تسمية رئيس حكومة مكلّف يستند إلى عدم الإنسجام السياسي بين رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​ ورئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل، فإن موقف تكتل "الجمهورية القوية" الرافض لأيّ تأليف حكومي لم يُهضم شعبياً، بإعتبار ان وقوفهم المستدام على التل بذريعة الانتخابات المبكرة لا طعم له ولا لون، سوى تحييد انفسهم عن المسؤولية الوطنية: فلماذا لم يسموا احداً؟ لا يقتنع اللبنانيون بجدوى تصريحاتهم التي باتت تكرر نفسها من دون طائل.

بينما كان المستغرب موقف نوّاب حزب "الطاشناق" الذين إنخرطوا لأول مرة في اللعبة الطائفية "ترجمة لقرار باسيل" فلم يسموا أي رئيس مكلّف، بعد ان كانوا نجحوا في كل المحطّات السابقة في تمييز أنفسهم عن التكتلات التي إنضموا إليها.

اما موقف "اللقاء التشاوري" السنّي المفكّك فهو يستلزم إعلان وفاة هذا اللقاء الذي لم يعد ينفع لأي مهمة ولو صُورية: يستقيل منه نائب عند كل حدث.

لكن المُضحك كان موقف النائب نهاد المشنوق الذي حاول ان يُقنع اللبنانيين في بيان تبريري لعدم زيارته بعبدا ومشاركته في الاستشارات النيابية. يقول المطّلعون على خبايا المرحلة الماضية أن خطوة المشنوق جعلت شخصيات سياسية تستعيد وقائع سنوات مضت في مسيرته، الذي أثبت انه "انقلابي من الطراز الأول". علما انه لم يقنع احداً بقراره في مقاطعة الاستشارات، فهو لم يعد موجوداً في الحسابات السياسية ولا يتقبّله المجتمع المدني.

بجميع الاحوال، أتت كلمة ميقاتي في بعبدا مختصرة تتجاوز محطّة التكليف، وتركيزه على طلب الثقة الشعبية. فهل يكسبها؟.

رهن ميقاتي مسيرة النجاح بتعاون الجميع في ظل وجود توافق دولي مطلوب، لكنه يعلم أولاً، أن الخطوات المطلوبة لنيل الثقة الشعبيّة تتطلّب حلولا فورية: تأمين المحروقات، الكهرباء، الحدّ من تلاعب سعر صرف الليرة، ضبط التجار والفساد. ثم البدء بمشاريع طويلة الأمد تدفع لبنان نحو الاقتصاد المنتج على وقع التفاوض مع صندوق النقد الدولي. فاللبنانيون يتحركون على اساس الثقة المتوافرة في البلد، وهذا ما ادى الى استرجاع الليرة اللبنانية جزءاً من عافيتها لدى الحديث عن تكليف رئيس جديد للحكومة، ثم عادت الليرة تفقد قيمتها بعد التصريحات النّيابية الملتبسة على هامش لقاءات الاستشارات في القصر الجمهوري.

ثانياً، يعلم ميقاتي أن هناك مطبّات سياسية تشاكس محاولته تأليف الحكومة، تظهّرت في مسار التكليف عبر إستقالة "القوات" من مسؤولياتهم الوطنية، وتصلب باسيل في فرض رؤيته. فماذا سيفعل؟.

هناك سيناريوهات مطروحة: في حال إستطاع ميقاتي تأليف الحكومة فإنّ نجاح حكومته مرهون بالثقة الشعبية التي تبدأ من خلال الحلول الفورية المذكورة اعلاه.

في حال لم ينجح رئيس الحكومة المكلّف فإنه سيرمي كرة المسؤولية في ملعب مشاكسيه، وتحديداً التيار "الوطني الحر". سيقول للبنانيين انني حاولت، ومنعوني، على مرأى المجتمع الدولي الذي استحضر ميقاتي الحديث عن التوافق معه. عندها لن يكسب أيّ فريق سياسي معطّل سوى إنفضاض الشعب من حوله في مرحلة حساسة تسبق الانتخابات النيابية.

فليعلم السياسيون ان المواطنين الذين يئنّون من الغلاء والفقر، وفقدان المواد الاولية والمحروقات وما تخلفه من معاناة، فإنّ الثقة الشعبية ستبقى مفقودة بحق كل القوى السياسية. لم تعد اللعبة السياسية ولا الطائفية تنسحب على المرحلة الحالية واللاحقة. مما يستوجب تفكيرا وممارسة سياسية مختلفة. فهل تشكّل الواقعية طريق عمل في مقاربة التأليف الحكومي؟ فلننتظر.