عند المدخل الرئيسي، تستقبلك العتمة الشاملة. مصابيح الإنارة مطفأة بالكامل والمصعد متوقف عن العمل. طوابير المواطنين أمام شبابيك الموظفين، وطوابير أخرى في الممرات تنتظر دورها وتصلي كي يأتي هذا الدور قبل إنتهاء دوام العمل وقبل أن يبدأ الإضراب الأسبوعي الجديد. الكهرباء الموجودة في المبنى مخصصة فقط لأجهزة الكمبيوتر ومصدرها مولّد الحي لا مؤسسة كهرباء لبنان.
بعد أكثر من ساعتين من الإنتظار في ظروف مأساوية تصل درجات الحرارة فيها الى ما فوق الثلاثين درجة ومن دون مكيّفات، تدق ساعة البدء بالمعاملة التي تنوي إنجازها. الموظف "العايف ربّو" بسبب ظروف العمل الإقتصادية والمالية التي لم يسبق له أن عاشها يوماً حتى في أيام الحرب اللبنانية، يتأفف عندما يرى أن المعاملة التي تريد تنفيذها تحتاج الى جهد ووقت. لذلك سرعان ما يحيلك على موظفة زميلة له. وقبل أن تنهي جملتك التي تقول لها فيها إن الموظف الفلاني هو الذي أرسلك اليها كي تنجز لك المعاملة، تقاطعك بالقول "أرجع مطرح ما كنت وقلو لزميلي عندي كتير شغل". عندها عليك أن تخوض الإمتحان الصعب وذلك عبر إقناع من يقف في مقدمة الصف أن دورك سبق أن وصل منذ دقائق وأن الموظف أحالك على زميلته لإنجاز المعاملة وأن الأخيرة أعادتك الى حيث جئت. وبعد سجال مع المواطنين الواقفين في الطابور، ينقطع التيار الكهربائي ومعه تصبح أجهزة الكمبيوتر خارج الخدمة. وعند سؤالك رئيس الدائرة عن الموضوع يأتيك الجواب: "ما في كهرباء من الدولة والمولّد الهيئة إنطفى أما الـups فمقطوع منذ أشهر، وتحديداً منذ اليوم الذي أصبحت فيه بطارياته بحاجة الى تغيير، سعر هذه البطاريات يصل الى 60 ألف دولار والدولة اللبنانية برمّتها غير مستعدة لدفع مبلغ 60 دولاراً على التجهيزات التي تحتاجها المؤسسات العامة.
نظام العمل على الكمبيوتر يحتاج الى ربع ساعة كي يصبح جاهزاً لإستقبال طلبات المواطنين. وبعد إنتهاء مهلة الربع ساعة هذه، تنقطع الكهرباء من جديد، ولكن هذه المرة لساعة من الوقت!.
ساعة تتوقف معها كل المعاملات، وتسقط خلالها آمال المواطنين بإنجاز ما جاؤوا لأجله في اليوم ذاته، وبمغادرة جهنم التي جعلتهم يتصببون عرقاً من رؤوسهم وحتى أسفل أقدامهم.
إنها الساعة الثانية عشرة والنصف، أربع ساعات مرت منذ الثامنة صباحاً، والموظفون يبدأون بمغادرة مكاتبهم عند الثانية التزاماً بمقررات رابطة موظفي الإدارة العامة. عندها تنتهي المرحلة الأولى المتعلقة بتسجيل المعاملة وإدخال معلوماتها الى الكمبيوتر، وتبدأ مرحلة قطع الوصل والدفع. وعندما تصل الى الموظف المكلف بقطع الوصولات، سرعان ما تكتشف أن الماكينة التي تطبع وصل الدفع كانت معطلة لساعة من الوقت وأن الموظف الذي يعمل عليها، يحاول إصلاحها، وهنا ما عليك إلا أن تنتظر الفرج من جديد وأن تصلي للبدء بمعاملتك.
فعلاً الله يساعد موظفي الدولة على ظروف عملهم القاسية جداً والله يساعد من يحتاج الى إنجاز معاملة.
فعلاً إنها جهنّم الحقيقية في الدوائر الرسمية.