على مُستوى العالم أجمع، إقترب مجموع إصابات "​كوفيد 19​" التي جرى توثيقها في إختبارات طبيّة، من مئتي مليون إصابة، في الوقت الذي تجاوزت فيه أعداد الوفيّات بسبب الوباء عتبة الأربعة ملايين ومئتي مليون ضحيّة. وفي ​لبنان​ إقترب مجموع الحالات من 560 ألف إصابة إجماليّة، وإقترب عدد الوفيّات من 8000 ضحيّة. ويبدو أنّنا نسير بسرعة نحو موجة رابعة، ستكون أشدّ وطأة بدون شكّ، بسبب ضُعف إمكانات القطاع الصحّي المُنهك حاليًا. فما هي أسباب الإنتشار الجديد لوباء "كوفيد 19" في لبنان، وهل سنعود إلى سياسة الإغلاق الشامل، ومتى؟.

بالنسبة إلى أبرز أسباب المَوجة الرابعة الحاليّة، فهي:

أوّلاً: وُصول أعداد كبيرة من المُغتربين اللبنانيّين، وإختلاطهم مع عائلاتهم وأقاربهم ومعارفهم. وعلى الرغم من أنّ على الوافدين إجراء فُحوصات "بي سي آر" قُبيل الإنطلاق في رحلة العودة إلى لبنان، إلا أنّ إختبارات المطارات أظهرت حمل العشرات من الوافدين للوباء يوميًا، وذلك إمّا بفعل عدم ظُهور العدوى عند القيام بالفحص في بلد الإغتراب، أو بسبب تزوير نتائج بعض الفُحوصات في عدد من الدول. ومن اللافت أنّ أغلبيّة الإصابات الوافدة تُسجّل على طائرات تنطلق من القارة الإفريقيّة، ومن بعض الدول العربيّة والآسيويّة حيث المُراقبة الرسميّة ضعيفة.

ثانيًا: رفع كل القيود السابقة الخاصة ب​الوقاية​ من وباء "كوفيد 19"، وفتح كل البلد بشكل تام، مع ما يعنيه هذا الأمر من إكتظاظ ملحوظ في الملاهي والمطاعم والحانات والمسابح، إلخ. وذلك بالتزامن مع تراجع إلتزام شرائح واسعة من المواطنين بإجراءات السلامة الضروريّة، مثل التباعد الإجتماعي وإرتداء الكمّامة وغسل الأيدي، إلخ.

ثالثًا: إستخفاف قُسم كبير من الأشخاص الذين تلقّوا ​اللقاح​ ضُدّ الوباء بإجراءات السلامة، بحجّة أنّهم صاروا مُحصّنين، وهذا خطأ شائع! فالحقيقة الثابتة، بحسب الدراسات والإختبارات الغربيّة، إنّ تلقّي اللقاح-ولوّ جرعتين منه، لا يحول دون إحتمال الإصابة، إنّما يُخفّف من وطأة هذه الإصابة، ويُخفّض تلقائيًا نسبة تطوّر العوارض واضطرار الدُخول إلى المُستشفى، والوُصول إلى الموت من المُضاعفات، من دون أن يُلغيها بشكل كامل. والمُشكلة أنّ الكثير من الأشخاص المُلقّحين لا تظهر عليهم أيّ عوارض عند الإصابة بالوباء، ما يجعلهم مصدرًا خطيرًا لنشر العدوى في المُجتمع، خاصة في حال تجوّلهم من دون التقيّد بإجراءات السلامة، وهذا ما يحصل في لبنان والعالم حاليًا.

رابعًا: إنّ عدد المُواطنين الساكنين في لبنان والذين تلقّوا جرعة أولى من اللقاح بلغ حتى تاريخه أقلّ بقليل من مليون ومئتي ألف شخص (أي ما نسبته نحو 25% من سُكان لبنان)، وعدد الذين تلقّوا جرعتين من اللقاح بلغ حتى تاريخه نحو 840 ألف شخص (أي ما نسبته نحو 17 % من سُكّان لبنان). وبالتالي لا تزال نسبة غير كافية بعد لتأمين المناعة المُجتمعيّة التي تتطلّب تلقيح ما بين 60 إلى 70% من السُكّان. إشارة إلى أنّ عدد الذين تسجّلوا على منصّة وزارة الصحّة لتلقّي اللقاح بلغ نحو مليونين ومئة وثلاثين ألف شخص (أي ما نسبته نحو 31% من سُكّان لبنان)، الأمر الذي يستوجب المزيد من الحملات الدعائيّة لتشجيع المُتردّدين على التوجّه إلى المراكز المُخصّصة لمنح اللقاح.

إنطلاقًا ممّا سبق، لا بُد من توجيه تحذير إستباقي بأنّ نسبة إيجابيّة الفُحوصات عند إجراء إختبارات "بي سي آر"، عادت لتبلغ نحو 5 % بعد أن كانت قد تراجعت إلى ما دون 1 % في الماضي القريب. وترافق هذا المؤشّر الخطير مع زيادة ملحوظة وتصاعديّة في عدد الحالات الحرجة في المُستشفيات. كما أنّ القطاع الصحّي الذي أصيب ما مجموعه 2723 شخصًا من كادراته بالوباء، يُعاني حاليًا من نقص في العديد بسبب هجرة الكثير من الأطباء والمُمرّضين والمُمرّضات والعاملين في القطاع الطبّي، إضافة إلى شُعور من بقي في لبنان بالإنهاك الشديد نتيجة العمل المُتواصل، وبالغُبن بفعل تراجع قيمة الرواتب. ويُعاني القطاع الصحّي أيضًا من نقص حاد في الكثير من ​الأدوية​ والمُستلزمات الطبيّة الضرورية، ناهيك عن النقص في ​المازوت​ مع ما يعنيه هذا الأمر من خطر إنقطاع ​الكهرباء​ عن مراكز الإستشفاء، وهو ما سيكون كارثيًا على حالات الإستشفاء المَوجودة في أقسام العناية المُركّزة.

في الخُلاصة، ما لم يُسارع المَعنيّون إلى إعادة ضبط الوضع، فإنّ أعداد الإصابات ستعود لتُحصَى بالآلاف بشكل يومي، وخلال أسابيع قليلة سنكون مُجدّدًا مع مئات الحالات الحرجة في المُستشفيات، وبالتالي مع عودة مؤشّر الوفيّات للإرتفاع، في ظلّ عجز القطاع الطبّي عن مُواجهة الموجة الرابعة بالشكل المُناسب. وعندها لن يكون هناك من خيار آخر، سوى إعادة فرض الإغلاق التام في أيّ وقت من أيلول المُقبل، أي عشيّة إنطلاق ​العام الدراسي​ المدرسي والجامعي، وعشيّة إنطلاق الأعمال بعد عُطلة الصيف. وإنعكاسات هذا الإجراء ستكون كارثيّة على الوضع العام في لبنان الذي لم يعد يحتمل أيّ إقفال وأيّ تعطيل إضافيّين!.