ليس تيار "المستقبل" وحده، أو القوات اللبنانية وحدها من بدأت العمل الإنتخابي قبل موعد الإنتخابات بعشرة أشهر، فالتيار الوطني الحر بدأ بدوره التحضير للإنتخابات النيابية، انطلاقاً من تفضيله عدم المشاركة بالحكومة المقبلة، على قاعدة أن "المشاركة بالسلطة في هذه المرحلة تخسّر".

يحضر كل فريق "معركته" الإنتخابية الخاصة، فيكاد لا يحتاج للنظر إلى الآخر، فتيار المستقبل لا يريد سوى أكثرية سنّية، تجعل سعد الحريري زعيماً على الشارع السني من جديد، وتُلزم الجميع بالتعامل معه على هذا الأساس وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، أما التيار الوطني الحر فهو وجد أن "المعركة" بالشارع المسيحي ستكون قاسية، ولمواجهة "القوات" يجب اللعب معهم بنفس الساحة، وهي ساحة المعارضة، حيث أسهل الأمور في هذه المرحلة هو التصويب على الحكومة وعلى قراراتها التي لن تكون شعبويّة على الإطلاق بحال وُلدت.

لعبت "القوات" اللبنانية دور المعارضة منذ 17 تشرين الأول 2019، وهي كسبت ولو كان هناك خلاف حول الحجم، وفي المعركة الإنتخابية المقبلة سيكون هدف القوات الحصول على الكتلة المسيحية الأكبر، تمهيداً لإعلان ترشّح سمير جعجع رسمياً للإنتخابات الرئاسيّة، ومثله يحاول التيار الوطني الحر، الذي يستشعر صعوبة المرحلة، الامر الذي جعل باسيل غير ملتزم بفكرة انتخاب الرئيس المسيحي الأقوى بحسب نتائج الإنتخابات، بحجة رفض القوات لهذا المبدأ.

في الظهور الإعلامي لباسيل، كان الرجل صريحاً في كثير من الأجوبة، فلم يوفّر خصماً ولا حليفاً، وأبقى باب التحالفات الإنتخابيّة مفتوحاً أمام الجميع، ومغلقاً أمام الجميع بنفس الوقت بمن فيهم حزب الله، فبالنسبة لباسيل "لا يوجد حليف ثابت بالإنتخابات"، وهذا ذكاء يُحسب للرجل الذي بات مقتنعاً بأنه يلعب وحيداً، وبالتالي عليه الإهتمام بنفسه حصراً، بغض النظر عن الشريك الذي يجلس مقابله.

كذلك كانت لافتة مقاربته لعلاقة لبنان مع الدول الخليجية، ومن المنصف القول أن موقفه كان ممتازاً، فلا المطلوب جعل لبنان منصة للهجوم على الخليج، ولا القبول بتعديات للخليج على لبنان.

في الشق الحكومي أعلن باسيل من جديد رفضه المشاركة والتدخل بتشكيل الحكومة، ولكنه وضع شروطاً تتعلق بإعطاء الثقة في المجلس النيابي، منها رسالة موجّهة إلى الثنائي الشيعي بشأن وزارة المال، واللافت تزامن الرسالة مع كلام الشيخ نعيم قاسم عن العلاقة الجيدة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، مع العلم أن كلام باسيل يؤكد أن الرجل لم "يبلع" تمسك الثنائي بالماليّة، وأعلن حجب الثقة بحال اعتُمدت المداورة باستثناء وزارة المال.

لم يوحِ كلام باسيل بأنّ الحكومة قد تُشكّل قريباً، بدليل تطرّقه لمرحلة ما بعد "فشل" نجيب ميقاتي بالتأليف، حيث كشف عن خطوات كبيرة سيتّخذها التيار لمنع الإستفراد بعون وعهده، ولكن بكل تأكيد فإنّ إطلالته الاخيرة كانت بمثابة إطلاق العمل الإنتخابي للتيار الوطني الحر الذي بحال تشكلت الحكومة سيكون خارجها للتحضير للإنتخابات، وبحال لم تُشكّل سيكون خارج المجلس النيابي لفرض الإنتخابات على الجميع أو على الأقل إعلان جرس بداية الحرب الإنتخابية باكراً.