لم يفاجئ تكليف النائب نجيب ميقاتي تشكيلالحكومة الجديدة، اي لبناني. فالاسم كان معروفاً قبل ايام، والترقب كان لمعرفة الرقم الدقيق الذي سيحصل عليه، فقط. من الطبيعي ان يكمل من حيث انتهى النائب سعد الحريري الذي اعلن اعتذاره عن اكمال مهمة التأليف، انما بمقاربة اكثر دبلوماسية وكياسة، على الرغم من انه كان اكثر اندفاعاً وقساوة حين كان لا يزال في "نادي رؤساء الحكومات السابقين". اليوم، يجد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نفسه تحت ضغط معنوي يمارسه رئيس الحكومة المكلف، فمنذان تم تكليفه رسمياً وحتى اليوم، لا يفوّت ميقاتي ايّ فرصة للتدليل والاشارة الى انه يتمتع بتأييد خارجي، وانه حصل على ضمانات دولية -ومن ضمنها اميركية تحديداً- بأنه سيكون محط اهتمام وسيلاقي الدعم المطلوب واللازم للبدء بالصعود من الهوّة العميقة التي يقبع لبنان فيها. بهذه الوسيلة، يرسل ميقاتي رسالة مبطّنة، ولكنها واضحة جداً، الى عون مفادها ان أي تأخير او فشل في تشكيل الحكومة، سيتحمل رئيس الجمهورية وزره بشكل مباشر، وليس هناك من مجال لتقاسم المسؤوليّة كما كان الحال مع الحريري، ما يعني انه سيكون "معزولاً" هذه المرة في الداخل والخارج على حد سواء.

هذا الضغط "الميقاتي" على رئيس الجمهورية تقابله ليونة اعلاميّة من قبل رئيس الحكومة المكلّف، اذ يتعمّد في كل مناسبة ان يؤكّد على التفاهم والايجابية السائدة بينه وعون، وعلى رغبتهما معاً في تشكيل الحكومة سريعاً ومن دون تأخير، اي انه يلزم عون باسقاط بعض الشروط التي كان يضعها امام الحريري سابقاً، والتي منعت الوصول الى تفاهم، لان الحريري بدوره كان يضع شروطاً مماثلة لتكون هذه العقبات من الطرفين بمثابة متاريس تحصّن كل منهما خلفها تسعة اشهر من دون نتيجة. ضغوط الحريري على عون كانت مغايرة لتلك التي يمارسها ميقاتي حالياً، فبالاضافة الى الدبلوماسية التي لجأ اليها الاخير، فإن الدعم الخارجي والدولي له حقيقي، فيما كان الحريري يعتمد على "بروباغندا" اعلاميّة، معتبراً ان زياراته الى الخارج ولقاءاته كفيلة بأن تعطي الانطباع بدعم دولي عارم له وضرورة تلبية شروطه وإلاّ، فيما تولى رئيس مجلس النواب نبيه بري (الغائب عن الساحة الاعلاميّة حالياً) تسويق هذه النظريّة وارفق معها التحذيرات العالية بخراب البلد في حال فشل الحريري. ولكن ما تعلّمناه في لبنان ان ما يحصل في العلن مغاير لما تشهده الكواليس، لذلك، من غير المستحسن الافراط في التفاؤل قبل التأكد بما لا يقبل الشك، من انّ الضغوط الدولية جدّية هذه المرة وغير قابلة للتمييع او للتأجيل، فالمؤشرات توحي بأن الاميركيين دخلوا بقوة على الخط هذه المرة من خلال تحالف علني مع الفرنسيين، ادى الى تحريك فعلي لبعض الدول العربيّة تجاه لبنان، وهي خطوة بالغة الاهمّية بعد ان كان الجميع يكتفون بالمشاهدة والتحسر على لبنان.

دخل ميقاتي السباق على حصان الحريري بالخطّة نفسهاإنما عبر طريق آخر يعتبره اكثر سهولة للوصول الى هدفه، وهو يعوّل على الدفع الخارجي وعلى "الهجمة" الدوليّة لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها ومن دون اي تأخير، كسبيل لضمان عدم فشله في مهمته، والا ، فإنه سيحاول ان يضمن سقوط عون معه وفشله بشكل تام في انقاذ عهده، لتصبح المعادلة التي وضعها في مقابل المعادلة التي كانت موضوعة والقائمة على دخول الحريري والنائب جبران باسيل الحكومة معاً او خروجهما معاً: "اما ان ينجح ميقاتي وعون معاً واما ان يفشلا معاً"، والآتي من الايام هو الذي سيجيب على هذه المعادلة ومدى صحتها.