كان من المفترض أن يختلف عيد الجيش هذا العام عن الأعوام الماضية، لا سيما أن المؤسسة تعاني ما تعانيه على مختلف المستويات نتيجة الانهيار الحاصل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بالتزامن مع تزايد المسؤوليات الملقاة على عاتقها، خصوصاً بالنسبة إلى مواكبة التحركات الشعبية الغاضبة، كي لا تخرج عن الاطار القانوني، أو تتحول من قبل البعض إلى أداة للاعتداء على الأملاك العامة والخاصة.

الاختلاف المنشود لم يكن مطلوباً من قبل الجيش، المستمر في أداء مهامه رغم كل الصعوبات التي تعتريها، بل من القوى والشخصيات السياسية التي تتذكر في هذا اليوم الخطابات الرنانة التي تكررها عاماً بعد آخر، من دون أن تبحث في كيفية دعم المؤسسة، التي يعتمد الجميع على دورها في المرحلة الراهنة، خصوصاً أنها تبقى الضامنة التي تمنع الذهاب إلى الفوضى أو المجهول.

واجب القوى والشخصيات السياسية، لا سيما من هم في موقع المسؤولية، البحث في كيفية تحصين ​المؤسسة العسكرية​ ودعمها بشتى الوسائل، لا تركها وحيدة تبحث عن كيفية تأمين مقومات البقاء، من خلال السعي إلى الحصول على المساعدات من الخارج، التي وصلت إلى حد تأمين ​المساعدات الغذائية​ إلى العناصر والضباط، لا الإكتفاء بالخطابات الرنانة التي لم ولن تقدم أو تؤخر.

هذا الواقع، يدفع إلى السؤال عما إذا كان من المقبول أن تكون هناك دول خارجية تدرك أهمية دور الجيش، الأمر الذي يدفعها إلى التشديد للحفاظ عليه وتقديم المساعدات له، بينما في ​لبنان​ مسؤولون غير معنيين إلا بالبحث عن كيفية تأمين حصصهم ومكاسبهم، لا بل غير مهتمين بتداعيات ما يحصل على كافة مؤسسات الدولة، لا بل هم أنفسهم عند أي حدث يبدأون برفع الصوت من أجل الطلب من الجيش أن يتدخل.

بالنسبة إلى القوى والشخصيات السياسية، يفترض من الجيش أن يكون قوى أمن داخلي تضبط ما يقترفه زعرانهم من مشاكل شبه يومية في الشوارع، ومسؤول عن ضبط التحركات الشعبية التي تكون موجهة ضدّهم، كما أنه هيئة اغاثة تتولى دفع التعويضات وتوزيع المساعدات على المواطنين، لأنهم لم يتركوا أي مؤسسة أخرى يثق بها المواطنون أو ​الدول المانحة​، وهو أيضاً مسؤول عن اطفاء الحرائق لأنهم لم يقوموا بالحد الأدنى المطلوب على هذا الصعيد، بالإضافة إلى دوره في حماية الحدود من ​العدو الاسرائيلي​ أو الخطر الارهابي.

اليوم، قد يكون من الأفضل لهذه القوى والشخصيات السياسية أن تبدأ بالبحث في كيفية معالجة المشاكل التي تثقل كاهل المؤسسة العسكرية بمهام كبيرة خطيرة، أبرزها تلك المتعلقة بتشكيل حكومة قادرة على وقف أو الحد من تداعيات الانهيار الحاصل على كافة المستويات، بدل الاستمرار في لعبة المناكفات خدمة لمصالح خارجية بالدرجة الأولى، أو رغبة في زيادة الحصص والمكاسب.

في المحصلة، الجيش لا يحتاج إلى خطابات رنانة لأنه يدرك قيمته والرهان على دوره من قبل جميع المواطنين، بل يحتاج إلى أن يكون هناك في الدولة مسؤولون يتحملون مسؤولياتهم، كي يستطيع الاستمرار في المهام الملقاة على عاتقه بأفضل طريقة ممكنة.