بعد امتحان خلدة الذي لم ينتهِ بعد، وصلنا الى موعد الإمتحان الآخر المتعلق بالذكرى السنوية الأولى لانفجار 4 آب والتحركات في الشارع، والتي تأتي على وقع انتهاء غيمة الإيجابيات التي كانت تخيّم على الملفّ الحكومي الأسبوع الماضي، وبدء اكتشاف حجم الخلاف بين رئيس الحكومة المكلّف ​نجيب ميقاتي​، ورئيس الجمهورية ​ميشال عون​.

لا توحي أحداث خلدة بأنّ لبنان مقبل على تشكيل حكومة واستقرار نسبيّ، بل كانت هذه الاحداث مؤشراً على مخطط كبير يهدف لهزّ الإستقرار، وزجّ ​حزب الله​ في آتون صراعات داخلية مسلّحة، لذلك فلا يمكن الحديث عن تفاؤل هذه المرة ولو وهمياً.

في الشقّ الحكومي لم يكن ممكناً تأجيل الصراع بين ميقاتي وعون، فعند دخول النقاش المرحلة الجدّية ظهر تمسّك رئيس الجمهورية بوزارة الداخليّة، وتُشير مصادر سياسية مقربة من ميقاتي عبر "النشرة" إلى أنّ المشكلة ب​وزارة الداخلية​ حصراً، لا الداخليّة و​العدل​، فعون يريدها وعندها فلا يهتم الرئيس إن نال رئيس الحكومة المكلّف العدل أو غيرها من الوزارات.

تشدد المصادر على أن ميقاتي أراد اختصار كل المشكلات المتعلّقة بحصول "الشيعة" على ​وزارة المال​، عبر إلغاء المداورة في الوزارات السّيادية، خاصة أنّ ​التيار الوطني الحر​ كان قرّر عدم دعم الحكومة وحجب الثقة عنها بحال اقتصرت المداورة على كل الحقائب ما عدا الماليّة، مشيرة إلى أن رئيس الجمهوريّة رفض إلغاء المداورة هذه المرّة بحجة احترام "المبادرة الفرنسيّة" مع العلم أن هذه المبادرة لم تشر إلى فكرة المداورة إطلاقاً، كما أنها لم تتطرّق لتقسيم الوزارات على الطوائف، لذلك ليس منطقياً التذرّع بالمبادرة الفرنسيّة للمطالبة بالداخليّة.

إنّ الخلاف بين ميقاتي وعون يُثبت أن ما كان يُقال عن أن مشكلة ​سعد الحريري​ تكمن في رغبته عدم ​تشكيل الحكومة​ هو عارٍ من الصحة، فالخلاف اليوم يبدأ من حيث انتهى التفاوض بين عون والحريري، ويبدو أنّ مهمة تشكيل الحكومة ستكون صعبة للغاية، بعد تمسّك كل طرف بوزارة "الإنتخابات" الأبرز.

أما في الشقّ الأمني، فهنا الخطر الأكبر، حيث تُشير مصادر سيّاسية مطّلعة إلى أن لبنان دخل في مرحلة من الهزّات الأمنيّة التي تهدف لضرب الإستقرار، والتي بدأت في خلدة وقد تستمر من خلال عدّة صُوَر، سنرى عيّنة منها اليوم في الشارع، والهدف سيكون دائماً استدراج الأحزاب الى ردّات الفعل.

هناك من يقول أنّ النتيجة المحسومة في لبنان هي تغيير النظام، وأنّ كل ما يجري اليوم هو للتمهيد لهذا التغيير، الذي لن يأتي سوى بعد انهيار كامل للحالي، ولا يوجد ما هو أفضل من الفراغ لحصوله، لذلك يعتقد أصحاب هذا الرأي أن "لا حكومة جديدة" في لبنان، بل سلسلة من المحاولات الفاشلة التي تؤدّي إلى نتيجة واحدة وهي فشل النظام بالحكم، وغياب القدرة على الإستمرار.