عوّل رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​، منذ تسميته من قبل النواب ل​تشكيل الحكومة​ الجديدة، على دعم خارجي مطعّم بدعم داخلي من قبل قوى اساسية، وهو كان يعتمد على هذا الامر للاقلاع على متن الحكومة العتيدة التي من شأن تشكيلها فتح الباب امام مرحلة جديدة للبنان. راهن ميقاتي على ثلاثة عناصر اساسية هي:

-الدعم الخارجي الذي لمس انه موجود وقابل للتطبيق.

-رغبة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ومعه رئيس ​التيار الوطني الحر​ النائب ​جبران باسيل​، في تسهيل مهمّته لان فشله يعني حتماً فشلهما في ما تبقى من ولاية العهد من جهة، وفي تعزيز حظوظ باسيل لاستعادة الاكثرية المسيحية في مجلس النواب وتحسين صورته عندما يقرر الترشح لرئاسة الجمهورية.

-تليين موقف الطائفة السنّية لجهة الحصص في الحكومة، بما يساعده على تخطّي عقبات واجهها سلفه النائب ​سعد الحريري​، ووقف عندها، وكانت مع شروط عون وباسيل اضافة الى عدم تخلي ​الثنائي الشيعي​ عن حقيبة المالية، عوائق جدية يصعب تخطيها.

وما هي الا ايام، حتى وجد ميقاتي انّ حساباته كانت خاطئة، وانه قد يجد نفسه مضطراً لاعلان فشله والاعتذار عن تأليف الحكومة، مع كل ما يعنيه ذلك من خسارة معنوية له يمكن تخطيها قبل ​الانتخابات النيابية​ المقبلة. ولكن من الصعب جداً على كل من عون وباسيل ان ينجحا في تخطّيها، لاسباب كثيرة. صحيح ان ميقاتي ليس مثالياً، وهو كغيره من السياسيين الذين شاركوا في الحياة السياسية على مدى عقود من الزمن، يتحمّل مسؤوليّة نسبيّة عن الوضع الذي وصل اليه البلد، ولكنه يشكّل طوق النجاة لعون وباسيل لانقاذ العهد من جهة، ولاثبات انه بامكانهما القيام بما وعدا بتحقيقه، وبالاخص فيما يتعلق بمسألة التحقيق الجنائي الذي حرص ميقاتي على التشديد عليه بعد ان تم تكليفه والسعي الى طمأنة عون حول هذه المسألة، والتي تم اتهام الحريري بأنه عارضها وكانت احدى نقاط الخلاف الاساسية بينه وبين عون على مدى اشهر.

في الواقع، من المهمّ الاشارة الى انّ خسارة ميقاتي بالاعتذار عن تشكيل الحكومة، تبقى اقل بكثير مما سيخسره عون وباسيل، لانهما سيكونان اولاً في قفص الاتهام، وسيصعب عليهما اقناع (كل من لا يؤيّدهما) بأنّ المشكلة تتعلق بالدفاع عن حقوق المسيحيين، او ان المشكلة في طريقة التعاطي مع رئيس الجمهورية ومقام الرئاسة، ناهيك عن ان الخارج قد يضحّي عندها بالتمسّك بعون كمرجعيّة رسميّة مسيحيّة من جهة، وكرئيس جمهورية فيقاطعه كما حصل سابقاً مع الرئيس الأسبق اميل لحود، او يبقي فقط على المهام الرسمية البروتوكولية، وعندها ستكون هيبة الرئاسة في خطر حقيقي. كما ستوجّه اصابع الاتهام ايضاً الى التيار الوطني الحر الذي لن يكون بمعزل عن تداعيات فشل عملية التشكيل، ولو انه اعلن انه لم يسمّ، ولن يشارك، ولن يمنح الثقة.

من هنا، يمكن معرفة مدى استغراب ميقاتي لعدم لمسه مقومات التسهيل، مع العلم انه ليس الحريري وعمل بنصائح الخارج والداخل لتذليل العقبات من امامه، كي يكسب رؤيته ورهانه على خطوة "انقاذيّة" سبق ان نجحت معه مرتين (2005 و2011)، ولكن يبدو ان الرياح هذه المرة لم تأتِ وفق ما تشتهيه سفينته، وان التطمينات الخارجيّة التي اعطيت له، كانت "ناقصة" بدليل ان هامش التحرك الداخلي ولو ضاقت مساحته قليلاً، الا انّه يبقى كافياً للجميع لاجراء المناورات اللازمة، وتمديد عمر الحكومة المستقيلة اكثر واكثر، من دون ان يعني موعد الرابع من آب أيّ شيء بالنسبة الى اللاعبين المحليين، سوى مناسبة جديدة لوضع كلمات وصيغ وتعابير جميلة تغطّي بشاعة افعال المسؤولين والرسميين.