تساءل متروبوليت ​بيروت​ وتوابعها للروم الأرثوذكس، المطران ​الياس عودة​، "إن كان ​المسيح​ نفسه لم يطلب مقابلًا لما صنع مع البشر، بل كان دومًا يطلب منهم أن يبقوا على صمتهم، كيف يمكن لإنسان أن يملي على من ساعدهم القيام بما لا يريدون؟ وكيف يذعن البشر لأوامر من يساعدهم مرّة، ثمّ يغيب إلى حين تقتضي مصلحته؟ الزعماء والسياسيون لا يعرفون شعبهم إلّا عند المصلحة الشخصيّة. لذلك من واجب المواطن أن يكون واعيًا ومسؤولًا في خياراته".

وشدّد، خلال ترؤسّه خدمة القدّاس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، على أنّه "يؤسفنا أنّ ​المجتمع الدولي​ يهتمّ أكثر من ذوي السلطة ب​لبنان​ وكيفيّة إنقاذه مع شعبه"، مشيرًا إلى "أنّنا قرأنا في بيان ​الرئاسة الفرنسية​ بعد اجتماع ​4 آب​: إنّ أفضل مورد للبنان هو شعبه، وإنّ الأزمة وتداعيات المماطلة السياسيّة تؤدّي إلى ارتفاع عدد اللبنانيّين الّذين يغادرون بلدهم. هذا خطرٌ أساسيٌ على مستقبل لبنان، وهو يقوّض حاليًّا القطاعات النخبويّة في لبنان، وخصوصًا في مجالي التربية والصحّة". وسأل: "هل فهم مسؤولو بلدنا، أنّ من لم يقضوا عليهم بواسطة التفجير سيقضون عليهم بواسطة التهجير؟ ما الغاية من إفراغ البلد من شبابه ومثقّفيه وخيرة ثروته البشريّة؟".

ولفت المطران عودة، إلى أنّه "ورد أيضًا في البيان الفرنسي: أشار المشاركون إلى أنّ قيام حكومة لتنفيذ الإصلاحات الّتي لا غنى عنها، وبشكل فوري، هي الخطوة الأولى لمجهود دائم لمواجهة التحدّيات الّتي تواجه لبنان... وأنّ ​الاقتصاد​ البنيوي والمساعدة الماليّة، تقتضي تغييرات عميقة منتظرة من القادة اللبنانيّين"، متسائلًا: "كيف يكون مسؤولًا من لا يعرف مسؤوليّاته تجاه شعبه، ولا يعرف إدارة بلاده، ولا يعرف كيف يصلح ما فسد؟".

وأكّد أنّ "المطلوب تحرّك فوري، عمليّة إنقاذ ضروريّة، الخطوة الأولى فيها تشكيل حكومة تتولّى الحوار مع المجتمع الدولي لمساعدة لبنان"، مركّزًا على أنّ "المماطلة سيّدة الموقف منذ انفجار 4 آب الكارثي، ولم نشهد إلّا تعقيدات وتعطيلًا. بلاد منكوبة، اقتصاديًّا وماليًّا وصحيًّا وتربويًّا، دون أن ننسى النكبات الّتي خلّفها تفجير العاصمة، ومسؤولونا مرتاحون على عروشهم، يأخذون وقتهم في اتخاذ القرارات المصيريّة الّتي كان يجب أن تتّخذ منذ سنة".

وذكر أنّ "الرب يسوع يعلّمنا، من خلال كلّ ما قام به، أنّ التواضع والصمت هما أساس المجد الّذي لا يزول. الأساس هو العمل المجدي والفعّال لا الشعارات والوعود والإستعراضات"، لافتًا إلى أنّ "الوقت لم يعد وقت كلام بل وقت أفعال. بعد الذكرى السنوية للمأساة الّتي ضربت بيروت شعرنا بالغضب الكبير الّذي يعتمر في صدور المواطنين، وهم على حقّ لأنّنا لم نشهد منذ ذلك اليوم الأسود ما يثلج الصدور. الأمور تتدهور والشعب يختنق، وما زال من بيدهم القرار يتسابقون للحصول على مكسب إضافي".

كما سأل عودة: "هل تشكيل حكومة بهذه الصعوبة؟ إن صفت النيات وتخلّى الجميع عن مصالحهم، يتمّ التشكيل في أيّام معدودة. أمام هؤلاء، لا يمكننا إلّا أن نثمّن جهود كلّ الجنود المجهولين الّذين لولاهم ما بقي بلد، أعني المعلّمين والممرّضين والأطبّاء والمسعفين والإطفائيّين وعمّال النظافة وغيرهم الكثير. هؤلاء هم مداميك الوطن ودعاماته، وما على المسؤول سوى أن يكون خادمًا أمينًا للحفاظ عليهم مثلما يحافظون هم على البلد وأبنائه".

وأشار إلى أنّ الرب يسوع يعلّمنا في تجلّيه، طريقة الإحسان العمليّة الّتي لا تستعبد الحريّة، كما يعلّمنا أنّ المجد لا يصل إليه الإنسان بالكبرِياء والتسلّط، بل بالخفر والتواضع. لذا، دعوتنا اليوم أن نتعلّم كيف نفعل أكثر ممّا نتكلّم، لأنّ حقل الرب وتراب الوطن يحتاجان إلى فلّاحين، لا إلى فلاسفة ومنظّرين ومستنفعين".