بغضّ النظر عن أسباب إستمرار التعثّر على مُستوى تشكيل حُكومة جديدة، يُوجد تخوّف مُتزايد من أنّ فشل رئيس الحُكومة المُكلّف نجيب ميقاتي في التوصّل إلى صيغة حُكوميّة تُرضي الفريق الرئاسي، في الأسابيع القليلة المُقبلة، قد يدفعه إلى الإعتذار وعندها ستتسارع الأمور في إتجاهات سلبيّة. فهل هذا صحيح، وما هي التوقّعات بالنسبة إلى مرحلة ما بعد إعتذار ميقاتي – في حال حُصولها؟!

قلّة من المُحلّلين تعتبر أنّ فشل رئيس الحُكومة المُكلّف في حلّ مُعضلة الحُكومة العالقة منذ أشهر طويلة، لن يُشكّل نهاية العالم، حيث ستجري مُشاورات نيابيّة جديدة لتكليف شخصيّة سنّية أخرى، لتنطلق بعدها مُشاورات التأليف مُجدّدًا! لكن أغلبيّة واسعة من المُحلّلين لا تُشارك هذه الأقليّة تفاؤلها، وتعتبر أنّ من شأن الفشل هذه المرّة أن يتسبّب بأزمات داخليّة كُبرى، وقد يفتح الباب واسعًا أمام حُصول الكثير من الأمور التي لم تكن في الحسبان، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:

أوّلاً: إرتفاع كبير لقيمة سعر صرف الدولار، وفُقدان العملة الوطنيّة المزيد من قيمتها، وبالتالي تفلّت الأسعار كليًا من أيّ ضوابط، ما يعني إشتداد الأزمة الحياتيّة والمعيشيّة بشكل قد لا يعود من المُمكن معه صُمود شرائح واسعة من الشعب اللبناني لأيّ فترة إضافيّة. وهذا الأمر قد يقود إلى فوضى إجتماعيّة خطيرة، وربما إلى شغب في الشوارع.

ثانيًا: مُمارسة عدد كبير من الشخصيّات السنيّة السياسيّة والدينيّة حملات واسعة لمنع تكليف أيّ شخصيّة سنيّة،بمُهمّة تشكيل الحُكومة، وذلك عبر الحثّ على مُقاطعة أيّ إستشارات جديدة في القصر الجُمهوري، وعبر اللعب على ورقة الميثاقيّة الطائفيّة والمذهبيّة، وكذلك عبر الضغط سياسيًا وإعلاميًا وحتى شعبيًا على أيّ شخصيّة سُنّية قد تُفكّر بتولّي هذه المهمّة.

ثالثًا: تحوّل الصراع السياسي الداخلي الحالي، والذي له إمتدادات إقليميّة بطبيعة الحال، إلى صراع طائفي وإلى إنقسام خطير، مع مُحاولة أكثر من جهة اللعب بورقة الصلاحيّات الدُستوريّة لكلّ من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف، وُصولاً إلى اللعب بورقة صراع النُفوذ المسيحي – السنّي على السُلطة.

رابعًا: خروج أصوات مُتعدّدة بضرورة إيجاد حلّ للأزمة الحُكوميّة عبر بحث واقع النظام الفاشل المَوروث، والمُطالبة بسدّ الثغرات الواردة في "إتفاق الطائف"، وبمُعالجة مُشكلة المُهل، والمُطالبة بتوضيح الصلاحيّات، إلخ. وقد تتجه الأمور نحو المُطالبة بمؤتمر حواري، وربّما حتّى بمؤتمر تأسيسي...

خامسًا: إشتداد المُطالبة من قبل بعض القوى السياسيّة بضرورة تحديد موعد سريع للإنتخابات النيابيّة، والعمل على إجرائها في أقرب فرصة مُمكنة، كمخرج وحيد مُتاح لإعادة إنتاج السُلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، في ظلّ إنسداد أفق الحُلول الأخرى.

سادسًا: إزدياد الضغط الخارجي على شخصيّات عدّة في السُلطة وخارجها، من خلال رفع لوائح جديدة من العُقوبات على شخصيّات لبنانيّة تنتمي إلى مروحة واسعة من الأحزاب والقوى، والتلويح بعدم تسديد مُساعدات ماليّة مَوعودة، ما لم يتم حسم الأمور حُكوميًا.

سابعًا: دفع التعثّر في إيجاد إجماع حول تسوية بديلة للتعثّر القائم على خطّ تشكيل الحُكومة، بلبنان إلى أزمة حُكم طويلة الأمد. وربّما يُصبح مصير كلّ من الإنتخابات النيابيّة في ربيع العام المُقبل، والرئاسيّة في خريف العام عينه، مُهدّدًا جديًا بالتأجيل، إلى حين عقد المؤتمر التأسيسي، وإعادة هيكلة بُنيّة النظام ككلّ!

في الخُلاصة، صحيح أنّ اللبنانيّين إعتادوا العيش في قلب الأزمات، والإنتقال من أزمة حادة إلى أخرى، لكن هذه المرّة الوضع مُختلف، لأنّ الأزمة التي يعيشونها حاليًا خانقة جدًا، ولا قُدرة للكثيرين على تحمّل أيّ أزمة إضافيّة مهما كانت صغيرة أو مَحدودة، فكيف الحال إذا كانت أزمة نظام!