انشغل الكثيرون بالتوتر الامني الكبير الذي شهدته الحدود الجنوبية للبنان في الايام السابقة، وذهب البعض الى اعتباره بمثابة "بروفة" للحرب التي تحدثوا عنها والتي من شأنها ان تغيّر بعض المعادلات في المنطقة. في الواقع، اظهر هذا التوتر ان لا شيء مما قيل في هذا السياق كان صحيحاً، فقد كانت الافادة مزدوجة لكل من حزب الله واسرائيل، لاعادة بعض "النشاط" الى حالة الركود التي عانا منها في السنوات الماضية. من الطبيعي والبديهي القول بأن ليس هناك من تنسيق بين الجانبين للاستفادة مما حصل، ولكن العوامل التي رافقت التوتر إنْ من الناحية الاعلامية او المعنوية، كانت كفيلة باظهار ذلك. فالحزب، كما اسرائيل، بثّا بشكل مباشر عملية القصف والردع، وهما لطالما قاما بتصوير عملهما، الا انّ عملية البث كانت تتأخر اقلّه لايام وربما لاسابيع او اشهر، فيما كانت عمليات البثّ المباشر مقتصرة على التطورات الامنيّة والعسكريّة الخطيرة.

وبعد هذه الخطوة، كانت الاستفادة المعنوية للطرفين، عبر التاكيد على قدراتهما ان في الاستهداف (بالنسبة الى حزب الله) او في الردع (بالنسبة لاسرائيل) والردّ بالقصف المدفعي. وحقيقة القول انه بعد دقائق على تدهورالوضع، وفيما كانت الامم المتحدة وقوات "اليونيفيل" التابعة لها تحذران من تداعيات الازمة وخطورتها، كانت اسرائيل تجزم بأنّ الطرفين المعنيين لا يرغبان في التصعيد، وان عمليات القصف لم تستهدف مراكز او سكاناً، وبالتالي لا حاجة الى تصعيد التوتر. هذا الامر ان عنى شيئاً، فهو دليل على الحاجة التي باتت ضرورية بالنسبة الى الحزب والقيادة الاسرائيلية الجديدة، لاعطاء جرعة معنويات وحماس للعناصر والمؤيدين للحزب من جهة، وللقوات العسكرية الاسرائيلية من جهة ثانية. وانعكس هذا الامر فيالتصريحات التي سادت بعد القصف المتبادل، اذ حذر كل طرف من "تجربة" الآخر، وتم اطلاق كل انواع التنبيهات والتحديات وغيرها من المواقف التي من شأنها استعادة الزخم والحيوية في دماء المتواجهين على الارض.

هذا من جهة، ولكن الخطير في الموضوع لم يتعدّ الحدود الجغرافية اللبنانية، وكان التركيز الاهم على حادثة بلدة "شويّا" التي سرقت الانظار والاهتمام، وادّت الى "استنفار" داخلي على الصعيد اللبناني عموماً والدرزي-الشيعي خصوصاً، لاستيعاب ما حصل اولاً، ثم العمل على التعاطي معه والتأكد من عدم تكراره ثانياً. ويمكن القول ان الحزب اصيب بحرج كبير جراء الفيديوهات التي انتشرت عن منع اهالي آلية تحمل راجمات صواريخ من العبور في البلدة، وتبعها فيديوهات اخرى تظهر شباناً يعلنون تأييدهم للحزب يمنعون شيوخاً دروز من بيع منتجاتهم الزراعيّة ويطلبون منهم عدم العودة الى المناطق "الحدوديّة" بين بيروت والجنوب. صحيح ان معالجة هذه المسألة لن تكون صعبة ولن تأخذ وقتاً ويلاً، بفعل التدخلات السياسية لكل من المسؤولين في الطائفتين، ولكن مجرد حصول هذه الحادثة يثير القلق، وربما يشكل مؤشراً الى ما ستكون عليه الاوضاع في حال اعيدت الكرّة، وهو ما يقلق الحزب بشكل جدّي، خصوصاً بعد تطورات حادثة خلدة وتداعياتها. ويدرك الجميع ان حزب الله يفضّل ان يخوض حروباً عسكريّة ضارية، على ان يجد نفسه في مواجهة داخليّة مع اطراف آخرين لأي فئة او طائفة انتموا. ولم يأتِ حصاد الحزب للتوتر العسكري الذي حصل على الحدود الدوليّة، على قدر توقّعاته بسبب التوتر الذي شهدته "الحدود الداخليّة"، ولو ان الحزب بات يعتبر نفسه لاعباً اقليمياً، غير انه لا يعتزم التفريط بالمعادلات القائمة داخلياً والتي يرغب في ابقائها على حالها لناحية ابعاد كل اشباح المواجهات ومشاريع الفتن الداخلية التي من السهل جداً ايقاظها عند الرغبة الدولية بذلك.

انه التحدّي الاكبر الذي يواجه الحزب، والذي بدأ فعلياً العمل على مواجهته وبشكل سريع.