لا حُكومة حتى ​الساعة​... وبالتالي الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة آخذة بالتدهور، ومعها الأوضاع الحياتيّة والمعيشيّة. وفي الساعات الأخيرة زادت الأمور سوءًا مع الإقتراب من "مرحلة الحقيقة"–إذا جاز التعبير، لجهة ضرورة الإختيار بين وضع اليد على ما تبقّى من فُتات أموال المُودعين في المصارف، ورفع ​الدعم​ كليًا عن سلع أساسيّة على غرار ​المحروقات​ وغيرها، مع ما يعنيه هذا الأمر من إفقار كامل للناس، ومن خطر تفجّر ​الأمن​ الإجتماعي برمّته! فما هي الخيارات المَحدودة المُتاحة؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه لا هم للقوى السياسيّة في ​لبنان​، أكانت في السُلطة حاليًا أم في المُعارضة، سوى المُزايدة في مواقف دونكشوطيّة لا تُقدّم ولا تؤخّر! وبدلاً من وضع الخُطط الإقتصاديّة والماليّة المَدروسة، لمُحاولة إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، يتبارى المسؤولون في تقاذف التهم عبر مواقف شعبويّة فارغة، وعينهم على الإنتخابات النيابيّة ونتائجها، بدلاً من أن يكون همّهم مصلحة الوطن والمُواطن فيه!.

ونتيجة لما سبق، جرى خلال السنتين الماضيتين،صرف مليارات ​الدولار​ات بوتيرة سريعة، لسدّ الفارق الذي صار شاسعًا بين سعر بعض السُلع "المَدعومة" بالدولار، وسعر مبيعها ب​الليرة​ اللبنانيّة، ناهيك عن سرقة كميّات كُبرى من هذه السلع، لتهريبها إلى سوريا أو للمُتاجرة بها في الخارج، أو حتى لتخزينها سرًا على أمل بيعها بأسعار خياليّة في المُستقبل. وفي كلّ الأحوال، وجد ​المصرف المركزي​ نفسه أخيرًا في وضع دقيق، بحيث لم يعد يملك سوى القليل من السيُولة النقديّة التي تُستخدم لتغطية الدعم، على الرغم من تأخّره المُتعمّد في فتح الإعتمادات، مع ما سبّبه هذا الأمر من ذلّ للمواطنين وهم يُحاولون تعبئة خزّان سيارتهم، أو شراء علبة دواء، إلخ. ويضغط حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، بكل قُوّته، لرفع الدعم، ما يعني عمليًا وقف إستهلاك ما تبقّى من ودائع المُواطنين المُحوّلة من المصارف إلى المصرف المركزي، والمُصنّفة في خانة "الإحتياط الإلزامي"، وهو يصرّ أيضًا على أنّ إستمراره في سياسة الدعم يستوجب غطاء قانونيًا وشرعيًا بقانون من مجلس النوّاب، منعًا لمُحاسبته في المُستقبل من قبل الجهات المُتضرّرة. لكنّ خطوة رفع الدعم الضروريّة اليوم قبل الغدّ بالنسبة إلى المُودعين، تُعتبر كارثيّة بالنسبة لأغلبيّة واسعة من ​الشعب اللبناني​، كونها ترفع ​الأسعار​ بشكل جُنوني لا يعود معه من المُمكن تأمين لقمة العيش، ولا الحدّ الأدنى من مُستلزمات ​الأمن الغذائي​ والمعيشي.

إنطلاقًا ممّا سبق، وبما أنّنا بلغنا مرحلة الإختيار ما بين الإستمرار بإفقار الناس ودفعهم إلى ضفّة العوز، والإستمرار بسرقة آخر ودائعهم، من الضروري الإبتعاد عن الخُطابات والمواقف والتحرّكات الشعبويّة الفارغة من قبل مُختلف القوى السياسيّة، والعمل يدًا واحدة بسرعة خارقة، لإيجاد البدائل. وبحسب أكثر من خبير، إنّ البدائل مُتوفّرة وهي تبدأ بسلسلة من الخُطوات العاجلة، أبرزها:

أوّلاً: تشكيل حُكومة من الوزراء الإختصاصيّين اليوم قبل الغد، على أن تعمل كفريق عمل مُتكامل ومُنسجم، وليس كمجموعات سياسيّة وطائفيّة مُشرذمة، تُروّج لأحزاب ولتيّارات سياسيّة تتنافس إنتخابيًا!.

ثانيًا: العمل اليوم قبل الغد على تأمين مُساعدات ماليّة من الخارج، بالتزامن مع ترشيد الإنفاق وحصره بما هو ضروري جدًا، ويرتبط مباشرة بمقوّمات ​الحياة​ والمعيشة اليوميّة للمُواطنين.

ثالثًا: وقف سياسة الدعم التي تذهب فوارقها هدرًا للتهريب عبر الحُدود، ولجيوب بعض كبار التُجّار المُحتكرين، وإستبدالها بمُساعدات مباشرة للمواطنين، على غرار منح مجموعة من قسائم البنزين بأسعار مُخفّضة لكل المُواطنين، على سبيل المثال لا الحصر.

رابعًا: الإسراع في تشغيل "البطاقة التموينيّة"، والأهمّ إعادة النظر بالمعايير المُعتمدة لتوزيعها، حيث أنّ ما تسرّب من معلومات بشأنها يؤكّد أنّ هذه البطاقة ستظلم فئات واسعة من المواطنين تقف حاليًا على عتبة الفقر المُدقع، وهي ستقع تحت خطّ الفقر فور تسجيل أيّ إرتفاعات إضافيّة في الأسعار الباهظة أصلاً حاليًا.

خامسًا: وضع خُطة إقتصاديّة ميدانيّة، تهدف إلى إعادة دوران الدورة الإقتصاديّة بكاملها، بما يعود بالفائدة على كل المُواطنين، بدلاً من تسجيل إنتصارات وهميّة بعمل بعض القطاعات السياحيّة المَحظوظة،بفعل وجود المُغتربين اللبنانيّين في بلدهم لمدّة شهرين في الصيف!.

سادسًا: إعادة الإستقرار الإقتصادي والمالي، بعد تأمين الإستقرار السياسي، بما يسمح بوضع دراسة جديّة لزيادة الرواتب، لكن بشكل مدروس هذه المرّة، حتى لا يقع اللبنانيّون فريسة التضخّم المُستمرّ.

في الختام، إنّ عودة اللبنانيّين، من غير فئة المُقتدرين ماليًا، ومن غير الذين ينالون رواتب شهريّة بالدولار، إلى حياتهم الإجتماعيّة السابقة، لم يعد واردًا، أقلّه في المدى المَنظور، وهذه حقيقة مُرّة على الجميع تقبّلها-ولوّ على مضض! لكن من الجريمة بمكان، ترك اللبنانيّين يغرقون بمزيد من الفقر والعوز، وجعلهم غير قادرين على تأمين قُوتهم وقوت عائلاتهم اليومي، في الوقت الذي يتلهّى فيه المسؤولون إمّا بخلافات سياسيّة وطائفيّة وحزبيّة ضيّقة، وإمّا بشعارات شعبويّة فارغة، يظنّ مُطلقوها أنّهم يحفظون من خلالها مواقع مُتقدّمة لهم في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة.