ترى مصر أَهميّةً في طرح "أَزمة سدّ النّهضة" على مجلس الأمن، انطلاقًا مِن "تحميله المسؤُوليّة، باعتباره الجهاز الرّئيسيّ المعنيّ في الحفاظ على السّلم والأَمن والدّيبلوماسيّة الوقائيّة"، وإِن كانت النّتيجة حتّى الآن تتلخّص في رمي المجلس الكُرة في ملعب الاتّحاد الأَفريقيّ، كمرجعٍ أَوّليّ للبحث في هذه الأَزمة بين الدّول الثّلاث: مصر، السّودان وأَثيوبيا!. وقد عاد مجلس الأَمن إِلى تجنُّب مُناقشة تلك المسأَلة على اعتبار أَنّها "لا ترقى إِلّا إِلى النّطاق الاقتصاديّ وقضايا الأَنهار"... وقد كان إِجماعٌ لدى أَعضاء المجلس على التوصُّل إِلى اتّفاقٍ ولكن... مِن خلال المسار الأَفريقيّ. وهذا ما برز مِن خلال كلمة وزير الخارجيّة المصريّة سامح شكري أَمام مجلس الأمن، في جلسته الأَخيرة في هذا الشّأن، خلال تمّوز 2021، بعد إِجراءات الملء الثّاني، الّتي اتّخذتها إِثيوبيا قرارًا أحاديًّا، في 5 تمّوز الماضي، وقد اعتُبر "الأَمر الأَكثر إِزعاجًا لمصر والسُّودان خلال الشّهرَيْن الأَخيرَيْن، بالنّظر إِلى الأَضرار الّتي يتحدّث عنها البلدان، ما دفع تاليًا بهما، إِلى القيام بتحرُّكاتٍ مكُّوكيّةٍ لوقف الإِجراء الإِثيوبيّ، وصولًا إِلى المُنظّمة الدّوليّة!.

ومن هذا المُنطلق يُمكن فهم الموقف المصريّ، وسعيه إِلى "وضع إِطارٍ رسميٍّ لتاريخ ما حدث مِن مُفاوضاتٍ طَوال 10 سنواتٍ وتسلسُل تلك المُفاوضات". إِضافةً إِلى كَون "سدّ أَثيوبيا يُمثّل تهديدًا وجوديًّا لمصر"...

وللتّذكير فقط، فقد انحازت الصّين، أَحد أَهمّ المُستثمرين في سدّ النّهضة إِلى مصالحها الاقتصاديّة، في حين رفضت واشنطن وموسكو تلميحات القاهرة في اللُجوء إِلى العمل العسكريّ وطالبتا بالعودة إِلى التّفاوض تحت المظلّة الأَفريقيّة الّتي ترها مصر "عديمة الجدوى". وعليه فقد كانت الجلسة الأَخيرة بمثابة موت سريريٍّ للحُلول السّياسيّة في ملفّ سدّ النّهضة!.

الرّهان الأَثيوبيّ

وفي المُقابل، ترى أثيوبيا أَنّ "البحث في سدّ النّهضة في مجلس الأَمن إِهدارٌ للوقت"!. بَيْدَ أَنّ خبير المياه المصريّ نادر نور الدّين، يرى أَنّ أَثيوبيا الّتي بنت الحاجز الأَوسط في السدّ بارتفاع 13 مترًا، إِنّما تهدف إِلى حمايته مِن الأَعمال العسكريّة، غَير أَنّ السدّ إِذا انهار، فستتعرض السّودان لغرقٍ مَهولٍ وتدميرٍ للمباني"، كما ويُنظر إِلى ما تقوم به أثيوبيا في سدّ النّهضة ليس على اعتباره مجالًا للتّنمية، ولكنّه "مُحبِسٌ" لحجز المياه عن مصر والسّودان، وإِن كانت أَثيوبيا تنفي هذه الفرضيّة...

كما وأَنّ أَثيوبيا تُراهن على موقف الاتّحاد الأَفريقيّ من سدّ النّهضة المُتَوافِق مع المصالح الأَثيوبيّة!... فالاتّحاد الأَفريقي، عندما يتدخّل في أَزمةٍ لأَثيوبيا مع أَيّ دولةٍ أُخرى، "لا يصل إِلى أَيّ حلٍّ".

منطق الأقوى

وقد بات على مصر والسُّودان بعدها، أَن تتحرّكا مُنفردَتَيْن، لحماية مصالحهما، بعدما نجحت أَثيوبيا في وضع نفسها ومشروعها "الطَّموح" في قلب شبكةٍ مُعقّدةٍ مِن المصالح الدّوليّة، الّتي لا تعبأ في ما يبدو بالأَخطار الّتي تُهدّد الأَمن القوميّ والاستقرار الاقتصاديّ والاجتماعيّ لدولتَيْ المصبّ، وبعدما ساد المنطق الأَثيوبيّ الأَقوى انطلاقًا مِن المَثَل الفرنسيّ القائل: "منطق الأَقوى هو دائمًا الأَفضل".

وبالتّالي فـَ"على مَن يُريد أَن يركب بحر النّيل، أَن تكون لديه أَشرعةٌ منسوجةٌ مِن الصّبر"، على ما كتب الرّوائيّ البريطانيّ الشّهير الحائز على "جائزة نوبل للسّلام"، وليام غولدنغ، قبل أَكثر مِن ثمانية عُقودٍ... وفي تلك المقولة ما ينطبق في شكلٍ خاصٍّ على طُموحات أَثيوبيا طويلة الأَمد، للسّيطرة على النّيل، بواسطة سدٍّ ضخمٍ يُبنى فوق موقعٍ مُختارٍ بعنايةٍ على النّيل الأَزرق، أَهمّ روافد النّهر الكبير.