لا يتعب ​اللبنانيون​ من الإنتظار طويلاً في طوابير سياراتهم أمام محطّات المحروقات، رغم معرفتهم أنّ صبرهم قد لا يقود الى نتيجة: ماذا لو قرّرت ادارة المحطة وقف التوزيع فجأة؟ أو هي أبقت خراطيم آلياتها ممنوعة من الضخ؟ يضع المواطن اللبناني كل السيناريوهات المحتملة أمامه عند اتخاذه قرار ملء خزان سيارته بالوقود. لا يوجد بدائل عن الإنتظار: هناك من يركن سيارته يومين امام الطريق المؤدي إلى محطة المحروقات، بإنتظار أن تقرّر بدء التوزيع. يُمكن ان تقول للمواطنين: لا بنزين لدينا. قد تكون ادارات المحطات صادقة، بإنتظار حصصها من الشركات التي تتعامل معها. او ربما تخشى تلك المحطّات من إندفاعة المواطنين الساعين الى الحصول على البنزين. سُجّلت مشاكسات، ومواجهات في سباق الوصول الى المحطّة، وسقطت دماء، وتكررت مشادات بين المواطنين انفسهم، او بينهم والعاملين في المحطات، او مع القوى الامنية والعسكرية المولجة بالمؤازرة لضبط الأمن وعدالة التوزيع.

يُمكن كتابة قصص درامية عن انتظارات طويلة امام ​محطات المحروقات​. يُزاد الى نكبتها قرار بعض الادارات في تلك المحطات السماح بالحصول على اقل من صفيحة بنزين، بحجة عدم وجود كميات كافية. بالمقابل، هناك ادارات اخرى تلبي احتياجات الناس بملء خزانات سياراتهم بشكل كامل.

بجميع الاحوال، يعيش اللبنانيون نكبة حقيقية في شأن الحصول على المحروقات، نتيجة الجدل القائم بين وجهتي نظر: رفع الدعم وعدم القبول بالطرح. صحيح ان القرار واقعي نظراً الى القحط المالي في ​المصرف المركزي​، لكن: ماذا عن البدائل؟ لا يمكن فرض حلول من دون وجود حكومة أصيلة مسؤولة. لا يُمكن أيضاً إيجاد مخارج للأزمة من دون تقديم ​الحكومة​ العتيدة برنامج عمل في إطار الخطة الإصلاحية.

لا يستطيع اللبنانيون تحمل المزيد من آلام الإنتظار في طوابير الذل، خصوصا ان هناك من يبيت ليلته في سيارته ينتظر دوره في طابور طويل: هل يتخيّل المسؤولون ذاك المشهد؟ هل يشعرون بآلام الناس؟.

الأسوأ ان هناك شكوكاً بدأت تتراكم بشأن جودة البنزين: يكرّر المواطنون كلاماً عن تبخّر سريع لخزانات الوقود في سياراتهم، بشكلٍ لم يعهدوه قبل ​الأزمة​. فهل هناك تلاعب من قبل شركات استيراد المحروقات؟ ام ان البنزين بات أقل جودة بدرجات الأوكتان؟ أسئلة اللبنانيين تتزايد، في ظل مأساوية المشهد، فماذا بعد؟.

بما ان البلد يدور في فراغ حكومي، وفشل سياسي، ومزايدات، ومحاولات رمي كل فريق كرة المسؤولية في ملعب الآخر، وعدم القدرة على صناعة حكومة جديدة، فإن الانتظار سيزداد الى حد إقفال المواطنين ​الطرقات​ بطوابير لن تكون منضبطة لا أمناً ولا سيراً. علماً ان الموظفين والعاملين في كل القطاعات لا قدرة لديهم على الوصول الى مراكز عملهم للسبب ذاته، بغياب ​النقل العام​. لذا، فإن الدولة تتحلّل بشكل سريع، مما يوجب التصدّي للإنهيارات الحاصلة على كل صعيد. لا شيء يبشّر بأفق أفضل، الا اذا جرى ​تأليف حكومة​ مقتدرة وموثوق بها.