أطلق رئيس "تيّار المُستقبل" ​سعد الحريري​ خلال الأسبوع الماضي مواقف عدّة هاجم فيها "التيّار الوطني الحُر" و"​حزب الله​"، علمًا أنّه كان في الماضي القريب يُهادن الجانبين. فلماذا هذا التبدّل المُتكرّر والحاد لمواقف الحريري من الطرفين السياسيّين المَذكورين، وأي تأثير لذلك على مُجمل الوضع الداخلي في المرحلة المُقبلة؟.

بداية، لا بُدّ من التذكير أنّ رئيس "تيّار المُستقبل" كان شكّل حُكومته الأولى في العام 2009، وقد تمّ إسقاطها بالتنسيق بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"حزب الله" في العام 2011.وفي العام 2016، شكّل الحريري حُكومته الثانية بأغلبيّة نيابيّة كبيرة، وذلك بعد 40 يومًا من تكليفه، ثم قدّم إستقالته في العام 2019 بعد 13 يومًا من إندلاع إحتجاجات 17 تشرين الأوّل الشعبيّة، من دون أن ننسى إستقالتهالإعلاميّة من السُعوديّة في العام 2017 والتي سُرعان ما تراجع عنها بعد عودته إلى بيروت. وفي 22 تشرين الأوّل من العام 2020، تمّ تكليفه مُجدّدًا، لكن بأغلبيّة مُتواضعة هذه المرّة، وهو فشل في التأليف وتنحّى جانبًا بعد تسعة أشهر! وعند تتبع مواقف رئيس "تيّار المُستقبل" خلال هذا العقد ونيّف، من السهل مُلاحظة تبدّل مواقفه السياسيّة التي كانت تنحرف نحو مُهادنة "التيّار الوطتي الحُر" و"حزب الله" عندما يكون في السُلطة، ونحو إنتقادهما وتصعيد مواقفه منهما عندما يكون خارجها. وهذا المَنحى مُرشّح للإستمرار في المرحلة المُقبلة، بحسب أكثر من مُعطى وتحليل.

ويُمكن القول إنّ علاقة "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُر" التي كانت بأفضل أحوالها عند بداية عهد الرئيس العماد ​ميشال عون​، هي اليوم في أدنى درجة. ويبدو أنّ الحريري قد حسم خياره في مُعارضة العهد حتى نهاية ولايته، وفي مُخاصمة "التيّار" بحدّة، إلى ما بعد محطّتي الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة. والهدف من هذه السياسة التصعيديّة، هو مُحاولة شدّ عصب مُؤيّدي "تيّار المُستقبل" عشيّة الإنتخابات النيابيّة، خاصة وأنّ البيئة المُؤيّدة للتيّار "الأزرق" لم تهضم يومًا تحالفه المَصلحي مع رئيس "التيّار الوطني الحُر" النائب ​جبران باسيل​، إضافة إلى كون هذه السياسة تصلح لتعزيز العصب الطائفي والمذهبي. وبموازاة تحضير مُناصريه للإنتخابات، يهدف الحريري من تصعيده المَفتوح بوجه التيّار "البُرتقالي"، إلى مُحاولة قطع الطريق مُسبقًا على أيّ تفكير بترشيح الوزير السابق باسيل للإنتخابات الرئاسيّة.

وبالنسبة إلى تصعيد النائب سعد الحريري بوجه "حزب الله" عندما يكون خارج السُلطة، فهو يهدف إضافة إلى إرضاء جُمهور "تيّار المُستقبل"،ومُحاولة كسب ودّ بعض الدول الخليجيّة والغربيّة، وإرسال رسائل غير مُباشرة لبعض قادتها، ناهيك عن مُحاولة قطع الطريق على شقيقه بهاء الذي يُزايد عليه في مواقفه، ويُحاول أيضًا من اليوم تحضير أرضيّة مُناسبة لدُخول المُعترك السياسي من الباب العريض، بمُجرّد أن يجد التوقيت المُناسب لهذه الخُطوة.

في المُقابل، إنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يتعامل مع "تيّار المُستقبل" من مُنطلق مصالحه الإنتخابيّة والتكتيّة المُرتبطة خُصوصًا بتعزيز موقفه في السُلطة، وهو كان في المرحلة الأخيرة مُعارضًا لعودة الحريري إلى السُلطة التنفيذيّة بعد أن كان يتقاسم الحُكم معه في بداية العهد الرئاسي. وينوي "التيّار الوطني الحُرّ" بناء معركته الإنتخابيّة المُقبلة، إنطلاقًا من موقف مُعارض لما يُعرف بإسم "الحريريّة السياسيّة"، باعتبار أنّه يُحمّل هذا النهج الجزء الأكبر ممّا وصل ​لبنان​ إليه، بفعل تفشّي ​الفساد​. من جهة أخرى، إنّ "حزب الله" الذي يقيس كل مواقفه وخُطواته بميزان البُعد الإستراتيجي، كان يُحبّذ عودة الحريري إلى السُلطة على الرغم من عدم تصويته له، وذلك لأهداف مُرتبطة بالحفاظ على الإستقرار الداخلي، وتأمين إستمرار التهدئة الطائفيّة، ومُحاولة كسب غطاء معنوي سنّي شبيه بالغطاء المسيحي الحاصل عليه من "التيّار الوطني الحُرّ".

في الخُلاصة، لكل طرف سياسي حساباته ومصالحه وتكتيكاته، وكل ما سبق مُرتبط بالظروف والمُعطيات القائمة، الأمر الذي يُفسّر تبدّل الكثير من العلاقات الثنائيّة من تحالفات وطيدة إلى خُصومة حادة. ومن هذا المُنطلق، وطالما أنّ الحريري أرغم على الخروج من السُلطة، وطالما تُوجد مُحاولة لإضعافه أكثر ولإلحاق هزيمة إنتخابيّة بتيّاره، فإنّ رئيس "تيّار المُستقبل" لن يكون على الإطلاق في موقع المُهادن من اليوم وحتى نهاية الإنتخابات النيابيّة على أقلّ تقدير، وتصعيده سيتدرّج صُعودًا كلّما إقتربنا من موعد الإنتخابات، وكذلك كلّما إشتدّت المساعي لتهميش دوره على الساحة الداخليّة.