منذ منتصف الاسبوع الماضي دخلت الأزمة اللبنانية منعطفاً جديداً، عنوانه الأساسي طغيان المعطيات الخارجية على تلك الداخلية، بعد أن أضاع الأفرقاء فرصة الوصول إلى تسوية لبنانية تعيد إنتاج السلطة، على الأقل بالنسبة إلى عملية ​تأليف حكومة​ تعمل على الحد من تداعيات الإنهيار الحاصل على كافة المستويات.

ضمن هذا السياق، يبنغي قراءة إعلان أمين عام "​حزب الله​" السيد حسن نصرالله عن إبحار أول باخرة نفطية من طهران، بالإضافة إلى الردّ الأميركي الذي تناول مسألة إستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، نظراً إلى أنّ ما حصل يمثل إنتقال الصراع الدولي إلى المرحلة المباشرة، بعد أن كان يحصل، طوال الأشهر الماضية، بواسطة الوكلاء المحليين.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن "حزب الله" تعمد، في الفترة الماضية، العمل على جرّ واشنطن إلى المواجهة المباشرة، بالتزامن مع السعي إلى عدم الدخول في أي سجال مع الأفرقاء المحليين، وترى أن خطوة الإعلان عن الباخرة تأتي ضمن هذا السياق، نظراً إلى أن التصدي لها أو التغاضي عنها ليس بيد القوى اللبنانية، بل في يد ​الولايات المتحدة​ التي كانت تطمح إلى البقاء بعيداً عن الواجهة، مسلّمة الملف إلى الجانب الفرنسي، لكن ضمن الخطوط التي حدّدتها مسبقاً.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن قراءة التصويب المتكرر من جانب الحزب على جمعيات المجتمع المدني ودور السفارة الأميركية في بيروت في رعاية الحملة الإعلامية والسياسية ضد الحزب، بالإضافة إلى الحديث عن دورها مع العديد من القطاعات الأساسية لدفع الأزمة نحو الإنفجار، سواء تلك المتعلقة بالقطاع الصحي أو بقطاع المحروقات، ضمن خطتها الهادفة بالوصول إلى موعد ​الإنتخابات النيابية​ في ظل الأجواء الحالية، على أمل الإستثمار فيها لقلب المعادلات.

بناء على ما تقدم، بات الحديث في الأوساط المحلية، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، عن أن مسار الأزمة يتوقف على ما تريده الولايات المتحدة، نظراً إلى أنّها المعنيّة في الرد على التصعيد الذي ذهب إليه الحزب، وتؤكّد أنه يفترض أن يكون خلال وقت قصير يسبق وصول الباخرة الإيرانيّة، نظراً إلى أنّ ما بعد دخول النفط الإيراني إلى السوق اللبناني لن يكون كما قبله.

من وجهة نظر المصادر السّياسية المطّلعة، واشنطن أمام 4 خيارات في التعامل مع هذا التطور: التصدّي المباشر أو التغاضي أو ترك المهمة لحلفائها من اللبنانيين أو الحدّ من الضغوط التي تؤدّي بالحزب إلى التهدئة، وتلفت إلى أنّ لكل خيار تداعياته الخاصة على مسار الأزمة، نظراً إلى أن الأول سيقود إلى تدحرج الأزمة نحو تصعيد خطير، أما الثاني فهو سيدفع الحزب إلى الذهاب بعيداً في خيار الإعتماد على طهران لكسر الحصار، وبالتالي الإستفادة منه شعبياً إلى الحدّ الأقصى، خصوصاً أنه سيكون بمثابة هزيمة لحلفائها.

بالنسبة إلى الخيار الثالث، ترى المصادر أنّه سيعني البقاء في حالة المراوحة الراهنة، أي غياب القرار الواضح بالحسم، سواء بالإتجاه السلبي أو الإيجابي، حيث من المتوقع أن يسعى كل فريق إلى تحسين أوراق قوّته بإنتظار اللحظة الحاسمة، بينما لم تظهر حتى الساعة كيفية التعاطي الرسمي مع الباخرة الإيرانية، أما الخيار الرابع فهو من المفترض أن يظهر مباشرة من خلال تسهيل العمل على تأليف الحكومة العتيدة.

في المحصلة، تؤكد المصادر أن دخول هذا المعطى، ذو الأبعاد الخارجية بالدرجة الأولى على خط الأزمة، ساهم في تعقيد المشهد المحلّي إلى حد بعيد، الأمر الذي وضعه بين حدّين: التسوية أو الإنفجار، الأمر الذي من المفترض أن يتّضح في الساعات أو الأيام المقبلة.