بغضّ النظر عن التاريخ الدقيق لإنطلاق أولى سُفن المحروقات من إيران نحو البحر الأبيض المُتوسّط(1)، وبغضّ النظر عن الطريق البحري الذي ستسلكه هذه السفن(2)، من المُرجّح أن تصل طليعة قافلة المَحروقات المَوعودة في النصف الأوّل من أيلول المُقبل. وبالتالي، يُنتظر أن تتضح خلال الأسبوع الطالع على أبعد تقدير، الصُورة بشأن سلسلة من الأسئلة التي لا تزال الإجابات عليها مُبهمة، وأبرزها: ما هو مسار السُفن، وأين سترسو، ومن سيفرّغ الحُمولة، وكيف سيتمّ نقلها، ووفق أي سعر مبيع؟ والأهمّ هل ستتعرّض هذه السُفن لهجمات إسرائيليّة، أو لعرقلة أميركيّة في البحر، وكيف ستردّ إيران و"حزب الله" عندها، وحتى لوّ وصلت السُفن بأمان وجرى توزيع حُمولتها في الأسواق اللبنانيّة، هل سيتعرّض لبنان لمزيد من العُقوبات الأميركيّة والخليجيّة؟!.

إضافة إلى وصف أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله سفينة المَحروقات بالأرض اللبنانيّة، في تهديد ضُمني بأنّ التعرّض لها يعني التعرّض لأرض لبنانيّة، وبالتالي ينطبق على هذا الفعل ردّ فعل مُشابه لأيّ إستهداف لأراض لبنانيّة، هدّد علي ولايتي، مُستشار المُرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بالرد بشكل غير مَسبوق على أيّ تحرّك إسرائيلي ضُدّ سُفن المَحروقات. وليس بسرّ أنّ حرب الناقلات بين إيران وإسرائيل مفتوحة على مصراعيها منذ مدّة، وقد شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من الضربات والهجمات، ضُدّ ناقلات وسفن تعود بشكل أو بآخر إلى جهات إيرانيّة وإلى جهات إسرائيليّة. ومن شأن تحريك سُفن مَحروقات إيرانيّة نحو لبنان، بالتنسيق مع "حزب الله" أن يرفع مُستوى التوتّر بين طهران وتل أبيب، بدون أدنى شكّ.

وإضافة إلى هذه المُشكلة الأمنيّة الخطيرة، تُوجد مشاكل أخرى مُتعدّدة، منها يرتبط بشرعيّة سُفن المَحروقات، حيث أنّ دُخول أيّ باخرة نفطيّة بشكل شرعي إلى لبنان يستوجب الحُصول على طلب إجازة إستيراد أوّلاً، ثمّ على مُوافقة المُديريّة العامة للمُنشآت النفطيّة قبل إبحارها، على أن تُقدّم الجهة الناقلة تصريحًا بالأوراق والمُستندات التي تكشف مُواصفات السفينة، والجهة التي ستُخزّن حمولتها داخل الأراضي اللبنانيّة، وكيفيّة تفريغها ونقلها، وكل هذه الشروط لم تُنفّذ بعد! من جهة أخرى، إنّ قانون البحار يفرض بشكل إلزامي أن تحمل أي باخرة علمًا مُحدّدًا يُعرّف عن هويّة مالكها، وأن يتم تسجيلها بشكل رسمي بالسجل الخاص للبلد المعني، وهذا الأمر مُطبّق في لبنان حيث تحمل البواخر اللبنانيّة العلم اللبناني وهي مُسجّلة لدى وزارة الإقتصاد والأشغال والنقل، بينما سُفن المَحروقات التي قرّرت إيران إرسالها نحو لبنان هي غير لبنانيّة. ومن الضروري التذكير أيضًا، أنّه منذ العام 2018، يفرض ما يُعرف بإسم "مكتب مُراقبة الأصول الأجنبيّة" التابع لوزارة الخزينة الأميركيّة، عُقوبات على أيّ جهة تدخل في صفقات مع أيّ من شركات النفط الإيرانيّة، لجهة شراء أيّ مُشتقّات منها، أو نقلها أو تسويقها، إلخ. ومن شأن كل ما سبق أن يعرّض لبنان لمتاعب جمّة، ولمزيد من العُقوبات، ما لم يتمّ إدخال هذا الملفّ في عمليّة التفاوض القائمة بين طهران وواشنطن.

وبالنسبة إلى المَخارج المَطروحة لوُصول المحروقات إلى السوق اللبناني، يتردّد أنّ خيار أن ترسو سُفن المَحروقات الإيرانيّة في مرفأ "بانياس" السوري يتقدّم على باقي الخيارات، على أن يتمّ بعد ذلك نقل الشُحنات برًّا في صهاريج كبيرة إلى الداخل اللبناني. ويُحكى أيضًا عن مخرج آخر يقضي بحُصول سُفن المحروقات على مُوافقة إستثنائيّة تتجاوز المُستندات الرسميّة المَطلوبة، وذلك من قبل وزير الطاقة اللبناني، بذريعة الحاجة الماسة للمَحروقات. لكن هذا الأمر يعني تبنّي الحُكومة اللبنانيّة بشكل شبه رسمي لخطوة نقل المَحروقات، مع ما يعنيه هذا الأمر من خيار سياسي قد يدفع لبنان إلى مزيد من الإصطفاف الإقليمي في المحور الإيراني، مع كل مخاطر التعرّض لمزيد من العُقوبات الأميركيّة والغربيّة والخليجيّة نتيجة لذلك. ويربط البعض دُخول الأميركيّين على الخطّ لمُحاولة قطع الطريق على هذا الخيار، وذلك من خلال تحريك مسألة إستجرار الطاقة الكهربائيّة من الأردن عبر شبكة التيّار السُوريّة، على أن يتمّ توليد الطاقة المَطلوبة بالغاز المصري. لكنّ تنفيذ هذا الأمر يحتاج لأشهر من التحضير، ناهيك عن مُوافقة الجهات المعنيّة، لا سيّما الدولة السُوريّة التي لا تزال ترضخ لعُقوبات أميركيّة قاسية، ومن غير المُرجّح أن تُقدّم أيّ خدمات مجانيّة للأميركيّين أو لسواهم، قبل رفع العُقوبات عنها.

وفي حال سلّمنا جدلاً أنّ حمولات سُفن المَحروقات وصلت بأمان إلى وجهتها النهائيّة في لبنان، لا يزال من غير المعروف كيفيّة تسويق هذه المَحروقات وتوزيعها، ومن سيُحدّد سعرها، وكيف سيتمّ البيع، وبأي عملة، إلخ. ومن هي الجهة الرسميّة اللبنانيّة التي ستتحمّل العبء السياسي لهذا الخيار الذي قد يجلب نقمة أميركيّة عليها، والذي قد يُسعّر الخلافات الداخليّة بشأن مواضيع خلافيّة مُزمنة مثل "الدويلة داخل الدولة"، و"الأمن الذاتي" و"قرار السلم والحرب"، إلخ.

في الخلاصة، لبنان يعيش إحدى أصعب المراحل في تاريخه، وضعف سُلطة الدولة المركزيّة يزداد رُسوخًا، مع فارق كبير عمّا حصل في الماضي، كوننا لسنا في زمن الحرب، بل في زمن السلم، ومن المُفترض أن تكون الدولة أقوى من الميليشيات المُسلّحة!.

(1) تملك إيران ما لا يقلّ عن 40 ناقلة نفط ومحروقات، وهي تعمد في كثير من الأحيان إلى إطفاء راداراتها، وإلى تغيير مسارها والتشويش خلال تنقّلاتها، في مُحاولة للحؤول دون تعقّبها.

(2) في حال إنطلقت السفينة من مرفأ "بندر عبّاس" الإيراني مثلاً، وإتجهت نحو مرفأ بيروت، على أن تُبحر في البحر الأحمر ثم تمرّ عبر قناة السويس لتعبر إلى البحر الأبيض المتوسّط، فهي تحتاج لما لا يقلّ عن 12 يومًا للوُصول. أمّا في حال سلكت مسار "رأس الرجاء الصالح" جنوب إفريقيا، ومنها إلى مضيق "جبل طارق"، فإنّ الرحلة البحريّة ستزيد عن شهر كامل!