الحصانات والحقوق الطائفية هي كلمة السرّ التي تستخدم من قبل مختلف القوى والشخصيات السياسية عندما تجد نفسها في موقع حرج، سواء لحماية نفسها من الملاحقات القضائيّة أو لتحصيل المزيد من الحصص عند تقاسمها في ما بينها، بالرغم من أنّها لم تنجح، على مدى سنوات طويلة، في بناء دولة تحترم مواطنيها، أو على الأقل تمنع الإنهيار الذي طالهم جميعهم، في العامين الماضيين، من مختلف المذاهب والطوائف.

أساس هذه النظرية يكمن في تركيبة النظام اللبناني، الذي يمنع محاسبة أيّ موظف في الدولة، مهما كان حجمه أو دوره، في حال رفع الفيتو من الطائفة التي ينتمي إليها، كما أنه يسمح لها بأن تستخدم ورقة التعطيل في حال وجدت أنّ حصتها لم تصل إلى الحجم الذي تريده أو تطمح إليه، وعندها يصبح كل شيء معطّل إلى حين إرضاء رغباتها، الّتي ليست إلا رغبات الفريق السياسي الّذي يعتبر نفسه المقرر أو الناطق باسمها.

ضمن هذا السياق ينبغي التعامل مع ما يحصل في ملفّين أساسيين اليوم، تشكيل الحكومة والتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت. في الأوّل لم يمنع مستوى الإنهيار الإقتصادي والاجتماعي القوى السياسية المتصارعة من تقديم أيّ تنازلات تقود إلى تشكيل الحكومة، بالرغم من كل المطالبات الدوليّة بالإنتهاء من هذا الملف، نظراً إلى وجود أفرقاء قرروا أن حقوق الطوائف وصلاحياتها تطغى على أيّ أمر آخر.

في الأسابيع الماضية، كان جميع المسؤولين يدركون خطورة فقدان الأدوية والمستلزمات الطبية على حياة المرضى، كما أنهم يعلمون جيداً تداعيات فقدان المحروقات التي تهدد كافة المؤسسات، لا سيما المستشفيات والأفران، لكن كل ذلك لم يدفعهم إلى التراجع خطوة إلى الوراء، نظراً إلى أنّ معاناة المواطنين هي عبارة عن ورقة تستخدم من قبلهم في هذه الحرب، تحت حجّة الدفاع عن حقوق الطوائف، الّتي قد تنهار في حال لم يسمّ هذا الفريق هذا الوزير أو ذاك أو لم يحصل على هذه الحقيبة أو تلك.

بالنسبة إلى الملف الثاني، الذي كان اللبنانيون يتوقعون أن يكون هول الإنفجار والتداعيات التي تركها دافعاً نحو تبدّل أسلوب القوى السياسية في العمل، فإن غالبيتها لجأت إلى ورقة الحصانات لحماية الشخصيات المطلوب التحقيق معها، لا بل ذهبت بعيداً في تبادل الإتّهامات والإقتراحات التي لا تقود إلا لعرقلة مسار العدالة، نظراً إلى أنّ لديها علامات إستفهام تطرحها حول أداء المحقق العدلي طارق البيطار، بعد أن كانت نجحت في إبعاد المحقّق السابق القاضي فادي صوان عن الملف.

بعد أكثر من عام على الجريمة، تريد تلك القوى إقناع أهالي الضحايا والرأي العام اللبناني أن الطريق الأفضل يمرّ عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بالرغم من أنّها هي نفسها كانت تعتبر أن نظام هذا المجلس بحاجة إلى تعديلات كبيرة كي لا يبقى أداة من أدوات عدم محاسبة المسؤولين، بالتزامن مع إستنفارها الطائفي لحماية أيّ شخصيّة قد تطالها أصابع الإتهام، كما حصل مع نادي رؤساء الحكومات السابقين بعد إصدار المحقق العدلي مذكّرة إحضار لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.

في المحصّلة، قد يكون من الصعب تصور تبدّل عقليّة القوى السياسية، في المرحلة الراهنة، لكن الأكيد أن نظريّة الحكم عبر حقوق وحصانات الطوائف لن تقود إلا إلى المزيد من الإنهيارات والكوارث التي ستبقى من دون أيّ محاسبة، ولن تساهم في بناء الدولة التي يطمح لها اللبنانيون لإنقاذهم من الواقع الذي أوصلتهم إليه تلك القوى، لا بل من الممكن أن تقودهم إلى الإقتتال الداخلي.