لفت راعي أبرشية ​بيروت​ وتوابعها للروم الأرثوذكس المتروبوليت ​الياس عودة​، إلى أنّ "علينا أن نتقبّل كلّ ما يحدث في حياتنا كتدبير إلهي، ليس بمعنى أنّنا مسيّرون، بل بمعنى أنّ الربّ يسمح بحدوث أمور أو يستغلّ بعض الأحداث، لكي يعلّمنا. هذا يمكن أن يترجَم فعليًّا في ما نعيشه في بلدنا الحبيب، حيث كثيرون يتعلّقون بالحياة الوقتيّة الفانية، فيحتكرون ويخزّنون البضائع والأموال ويتحكّمون بالبشر، مشابهين هيروديا القاتلة. هيرودس أنتيباس كان ملكًا، وكان يتوجّب عليه أن يسير حسب الشريعة ويحكم بالعدل، إلّا أنّ شهوته تغلّبت عليه، وكبرياءه جعله مجرمًا يقطع رأس من تفوّه بالحقيقة جهارًا".

وسأل، خلال ترؤسّه قدّاسًا في كاتدرائية مار جاورجيوس في بيروت، "ألا تتحكّم شهوات عديدة بالزعماء والحكّام؟ الكرسي والسلطة والمصالح والأموال وسواها؟ ألا يفعل البعض فعل هيروديا، ويبثّ سمّه في أذن المسؤول، فيقطع رأس الشعب عوضًا عن المجرم الحقيقي؟ هل تمّت محاسبة أيّ من محتكري ​الأدوية​ أو سواها من مقوّمات الحياة، الّتي يمنعونها عن الشعب، وهم مجرمون يستحقّون العقاب؟ مؤسف أنّنا نعيش في بلد يذلّ فيه الضعيف ويموت، فيما يستقوي الأقوياء بمن يغطّون سيّئاتهم ويتغاضون عن جرائمهم، كالفساد والإحتكار والمتاجرة بأرزاق الناس".

وأعرب المطران عودة عن أسفه أن "نكون في بلد يقمع صوت الحق، ويعمل على إسكات صاحبه بشتّى الوسائل غير المشروعة. نأسف أن ينظر في بلدنا إلى أهل الضحايا على أنّهم المجرمون، بينما القتلة الحقيقيّون يسرحون ويمرحون ويتهرّبون من العدالة، والمجزرة لا تزال تحصد الروح تلو الأخرى، إن عن طريق الموت أو الهجرة. نأسف، في بلدنا، أن تبثّ أكثر من هيروديا واحدة سمومها ضدّ الكنيسة، في آذان كثيرين، ينجرّون وراءها بدلًا من أن يدركوا أنّ الكنيسة تحتضن الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، وهي دومًا السند الحصين له، تستمدّ قوّتها من الربّ رأسها، وليس من ساسة أو زعماء يريدون استغلالها للوصول إلى مبتغاهم".

وأشار إلى أنّ "الكنيسة ترى في يوحنا المعمدان مثالًا يحتذى في قول الحق بلا خوف من أحد. لهذا، سنبقى قاطعين كلمة الحق باستقامة، لأنّ الإنسان هو همّنا الأول، وهدفنا أن نصل به ومعه إلى الملكوت السماوي، حيث الفرح الّذي لا يزول"، مركّزًا على أنّ "بلدنا يمرّ بما يمرّ به، لأنّ الجميع يساومون على الحق وعلى كراماتهم وكرامة المواطن. لم تعد الحريّة والديمقراطيّة في لبنان سوى كلمات فارغة، لأنّ الديمقراطيّة لا ترافق إلّا النفس الحرّة النبيلة الّتي تحترم الذات وتحترم الآخرين".

وتساءل: "هل تصدّقون من يكلّمكم عن الحق والعدل، وهو يسرق حقوق الآخرين ويتاجر بأرواح الناس وممتلكاتهم؟ هل تحترمون من يحتكر الطعام والدواء والمحروقات ويمنعها عن المحتاجين، من أجل جني الأرباح؟ أو من يعطّل تشكيل حكومة نحن بأمسّ الحاجة إليها للخروج من المأزق، بسبب مصلحة أو مطلب؟ وهل يمكن لعاقل أن يتبع من جعل البلاد مزرعة والبشر عبيدًا والأخلاق سلعة فاسدة؟ وكيف لمواطن أن يصدّق من انتخبهم لحماية مصالحه والنطق باسمه، فإذا بهم لا يفكرون إلّا بمصالحهم ولا ينطقون إلّا بالغش، محوّلين حياته جحيمًا ومستقبله مجهولًا؟".

كما شدّد عودة على أنّ "وطننا يعاني لأنّ المسيحي فيه لا يشهد كفاية للمسيح المخلص، ولأنّ اللبناني ليس أمينًا للحقّ، بل يساوم ويهادن ويرائي، ويقبل الذلّ ولا ينتفض على الباطل"