في 26 تمّوز، تمّ تكليف رئيس كتلة "الوسط المُستقل" النائب نجيب ميقاتي يتشكيل حُكومة جديدة، وكانت الأجواء أكثر من إيجابيّة في حينه، لكن مع مُرور الوقت، ظهرت سلسلة من العقبات، تارة على مُستوى الحقائب، وتارة أخرى على مُستوى الأسماء، إلخ. وزاد الحديث أخيرًا أنّ فشل ميقاتي في التأليف ستكون له عواقب سلبيّة تفوق تلك التي أعقبت فشل أسلافه من الشخصيّات الذين حاولوا تشكيل حُكومة جديدة. فما هي المَعلومات في هذا الشأن؟

من جهة رئيس الحُكومة المُكلّف، لا يستطيع النائب ميقاتي تجاوز المعايير التي وضعها تجمّع "رؤساء الحُكومة السابقين"، ولا تلك التي وضعها رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري، إلا إذا كان مُستعدًّا للمُخاطرة بالدعم المَعنوي السنّي الذي يلقاه، والذي يتجاوز الكتل السياسيّة ويصل إلى موقع دار الفتوى الديني. ويتردّد خلف الكواليس أنّ البيئة السنيّة التي يدور في فلكها "تيّار المُستقبل" و"رؤساء الحكومة السابقين"، إتخذوا قرارًا غير مُعلن بتصعيد الموقف إلى الدرجة القُصوى، في حال فشل ميقاتي في عمليّة التأليف، وإضطراره بالتالي إلى الإعتذار والإنسحاب من هذه المهمة. وفي هذا السياق، يتردّد خلف الكواليس عن وُجود نيّة بسحب الغطاء المَعنوي عن أيّ شخصيّة سنيّة قد ترضى بالتكليف، من خلال حملات إعلاميّة وسياسيّة مُركّزة عليها، هذا في حال تمكّن المجلس النيابي من تكليف أيّ شخصيّة أصلاً، لأنّ القرار متخذ أيضًا بعدم توفير الميثاقيّة لأيّ عمليّة تسمية في الإستشارات، عبر مُقاطعتهامثلاً، وحتى عبر رفع التهديدات بالإستقالة من المجلس النيابي ككلّ!.

من جهة فريق رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون،ومن خلفه "التيّار الوطني الحُرّ"، القرار مُتخذ أيضًا بعدم التنازل عن وجهة النظر الدُستوريّة في ما خصّ المُشاركة الفاعلة في عمليّة تشكيل الحُكومة، ولا عن الحُصّة الرئاسيّة في الوزارة، وتحديدًا المسيحيّة منها. ويتردّد خلف الكواليس أنّه في حال إستمرار الفشل في تشكيل حُكومة، وفي حال ذهاب الفريق الآخر في خيار إفشال أيّ إستشارات جديدة، سيتمّ اللجوء إلى خيار تصعيدي، لجهة الذهاب نحو مُعالجة كل الوضع الدُستوري، من خلال إعتماد نوع من "المؤتمر التأسيسي"، أكان جزئيًا لمُعالجة ثغرات دُستوريّة مُحدّدة، أم عامًا لإعادة ترتيب التوازنات السياسيّة في لبنان بشكل كامل. وينوي هذا الفريق، بحسب المَعلومات، وضع حدّ نهائي لمسألة التكليف المَفتوحة من دون سقف زمني، ولمسألة تكبيل يديّ رئيس الجُمهوريّة في المُشاركة في تشكيل الحُكومة.

وسط هذه الأجواء، هناك من يعتقد أنّ كل ما يُثار من مَعلومات خلف الكواليس، يدخل في سياق التهديدات المُبطّنة، لرفع مُستوى الضُغوط على الفريق الآخر، وهو غير قابل للتطبيق ميدانيًا. والهدف منه، هو تسهيل عمليّة تشكيل الحكومة برئاسة ميقاتي، وليس العكس، من خلال الإيحاء أنّ الخيارات الأخرى خطيرة جدًا في حال فشل التشكيل. لكن هناك من يعتقد أيضًا أنّ هذه الأفكار المُتداولة خلف جُدران الغرف المُغلقة جدّية، وليست من باب التنظير أو التخويف، وهي خيارات سيتمّ اللجوء إليها فعليًا، في حال إنسداد أفق الحُلول بشكل كامل في المُستقبل القريب.

وبين هذا الرأي وذاك، لا شكّ أنّ الأمور دقيقة جدًا حاليًا، والأيّام القليلة المُقبلة حاسمة لناحية تبيان الخط الأبيض من الخطّ الأسود. والآمال لا تزال مَعقودة بأن يؤدّي الخوف من المَجهول إلى دفع كل المَعنيّين إلى تقديم تنازلات مُتبادلة لإتقاذ ما يمكن إنقاذه. أمّا في حال إستمرار الفشل في تجاوز عُقدة تشكيل الحُكومة، فإنّ الأمور ستذهب حتمًا نحو التصعيد، وستكون مَفتوحة على خيارات غير مَسبوقة، لأنّ المسألة باتت مسألة "حياة أو موت" للعديد من الكتل والشخصيّات السياسيّة، خاصة وأنّ الإنتخابات النيابيّة على الأبواب. حتى هذه الأخيرة غير مَحسومة، في حال تبيّن لأكثر من طرف سياسي داخلي أنّ الفشل حتمي في جذب أصوات الناخبين، حيث يتردّد أيضًا أنّ بعض الجهات بدأت تدرس كيفيّة عرقلة وتأجيل الإنتخابات، في حال أظهرت نتائج إستطلاعات الرأي تبدّلاً جذريًا في المزاج الشعبي، من شأنه أن يَخلط التوازنات السياسيّة القائمة في لبنان منذ العام 2005 حتى تاريخه.

في الخُلاصة، أيّام قليلة حاسمة، وتبدأ الصورة بالوضوح أكثر، علمًا أنّ الشعب اللبناني هو الذي يدفع الثمن الأكبر للصراع القائم حاليًا، أكان بأبعاده الإقليميّة والدَوليّة، أم بتفاصيله السياسيّة والطائفيّة المحليّة، وحتى الحزبيّة الضيّقة.