كان لبنان يتغنى بأنه افضل من الكثير من الدول التي تعتبر من دول العالم الثالث، وتلك التي تعتبر بعيدة نسبياً عن التطور ومواكبة ظروف الحياة المتجددة. ولطالما كنا نقارن المشاكل لدينا بالمشاكل في دول كبرى، والسعي الى حلّها وفق تجربة هذه الدول ولو ان النظام اللبناني يختلف عن غيره، وسيطرة التعددية الطائفية والتبعية غير موجودة في الدول الراقية... اليوم، بتنا نقبل ان تتم مقارنتنا بدول في طور النمو، لا بل اكثر من ذلك، صارت المقارنة مقبولة جداً مع دول فقيرة وبعيدة عن نمط الحياة التي اعتادها اللبناني.

من بين هذه الدول، تبرز افغانستان، تلك الدولة التي تصارع العقليّة القديمة وتطمح الى ان تكون في طور الدول النامية. وبعد ان أفل نجمها لسنوات عديدة، عادت حركة "طالبان" بقوة الى الساحة وسيطرت على مقوّمات الدولة وفرضت نفسها قوّة امر واقع، بدأ الجميع بالتفاوض معها للوصول الى قواسم مشتركة والاعتراف بها. وعلى الرغم من انه تم توصيف "طالبان" بأنها منظّمة ارهابيّة، وتنادي بأمور بعيدة عن القرن الحادي والعشرين ومتطلباته، الا انّه مقارنة مع ما يحصل في لبنان، تبقى افغانستان في ظلّ "طالبان" افضل بكثير من لبنان في ظلّ اللاعبين المحليّين الذين يتولّون شؤونه (مع التشديد على القبول التام لغالبية شرائح الشعب اللبناني). وكمثال بسيط على ذلك، اعلنت "طالبان" عن قرب تشكيلها حكومة تتولى تنظيم ادارة البلد، وعن بدء مفاوضات مع الدول الكبرى للاعتراف بها رسمياً كسلطة افغانيّة.

ولا يمكن لاحد في لبنان التذرع عدم وجود تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية في افغانستان، فـ"المطبخ الافغاني" يعجّ بالطباخين من كل انحاء العالم، ما يعني انه لكثرتهم تعددت الطبخات على مدى السنوات، ولكن على الرغم من ذلك، نجح الافغان في ما عجز عنه اللبنانيون، اي القبول بالنتائج التي تسفر عنها الاوضاع الميدانيّة. ليس الوضع الافغاني بالمثالي، وهو ربما يشابه الوضع اليمني، وهناك صعوبات كثيرة تعترض تسيير الامور بشكل طبيعي في هذين البلدين، غير انه يجب الاعتراف بأنه، نسبة الى ظروف معيشتهم التي اعتادوا عليها، ومع استلام منظمة تعتبر ارهابيّة، مقاليد الحكم، تبقى افغانستان افضل وضعاً مما هو عليه لبنان اليوم، او، كي لا نظلم احداً، مشابهة للوضع الذي يعيشه لبنان. وما يؤلم في هذا المجال، ان لبنان واللبنانيين يعتبرون انفسهم، وعن حق، من ابرع الشعوب واكثرهم قدرة على التأقلم والتفاعل مع الآخرين، وهو ما يظهر بشكل واضح فيدول العالم التي هاجر اليها اللبنانيون منذ عقود قديمة من الزمن، وباتوا مداميك اساسية في مجتمعاتهم، ووصلوا الى مراكز اساسية، ووجدوا الترحيب اللازم من قبل المجتمعات التي احتضنتهم وفتحت ابوابها لهم. اما داخليّا، فقصة اخرى، حيث يمعن الشعب في اذية بعضه البعض، من كبارالمسؤولين وصولاً الى الاخوة ضمن البيت الواحد. واذا سلّمنا جدلاً ان الازمة داخلية محض، فما تفسير عدم تشكيل حكومة بعد، علماً انها لن تكون الحلّ بل مجرّد بداية؟ واذا كانت هناك نسبة تحسّن تقدّر بـ1% على الاقل، فلماذا لا نغتنمها؟ مع العلم ان الجميع يدرك ان الدولار سينخفض عما هو عليه اليوم لان ارتفاعه سياسي ويتحكم به المسؤولون والزعماء، وان الازمة ستخفّ بشكل ملموس في معظم القطاعات. وعليه، يتبيّن ان غير الحزبيين ومن هم من غير المحسوبين على احد، يتوقون ويتمنّون الهجرة، ليس كرهاً بالبلد، بل يأساً من اخوتهم في الوطن الذين فضّلوا الطائفية والزعماء على حياتهم ومستقبل اولادهم، وباتت الشريحة القليلة من اللبنانيين غير المتحزّبة، ترى في دول كأفغانستان واليمن مثالاً افضل من لبنان... انها سخرية القدر وفظاعة النكد اللبناني، فهنيئاً لأفغانستان بطالبان، وويل للبنان بزعمائه وابنائه.