منذ ان اعتذر النائب ​سعد الحريري​ عن تشكيل الحكومة بعد نحو تسعة اشهر من تكليفه، تصاعد القلق حول الشخصية التي ستخلفه. وما ان تم تكليف النائب ​نجيب ميقاتي​ تحمّل هذه المهمة، حتى تصاعدت نسبة التشاؤم من امكانية نجاحه فيها، وبدأ الكلام فوراً عن الرهان على اعتذاره والفترة التي سيستغرقها. ومع مرور الوقت، وعدم تقدم الامور بالمقدار المرغوب، بدا وكأن اسهم الاعتذار بلغت اقصى درجاتها، الا ان التدخلات من هنا وهناك، محلياً ودولياً، فعلت فعلها واعطت بعض الوقت الاضافي للاكمال. ومن الواضح ان المسار الدولي تغيّر بعض الشيء في التعاطي مع المشكلة اللبنانية، كما انه بات ظاهراً ان مساحة المناورة للاعبين المحليين ضاقت بعض الشيء، باعتراف الجميع.

في ظل هذا الوضع، استغرب الكثيرون ان يلقي ميقاتي بنفسه في نار التشكيل الحكومي، الا انه اعترف بالفم الملان انه يملك ضمانات دولية ويعتمد عليها لدعم مسيرته وضمان عدم فشله، ولكن رغم ذلك، لا يبدو ان الامور كانت تسير وفق النمط المنتظر، وعاد الكلام عن التخوف من فلتان امني بعد الاحداث الاخيرة التي يعلم الجميع انها ليست "عفوية". ​الملف الحكومي​ اصبح كسعر صرف الدولار، يتقدم حيناً ويتراجع حيناً، ولكنه لا يزال نارا حامية تهدد بحرق كل من يدخل الى نطاقها، وهو ما ينتظره الكثيرون بالنسبة الى ميقاتي الذي قد ينضم الى الحريري. ولكن، ما ان تراجعت اسهم التفاؤل بالتشكيل الى حدود دراماتيكية، حتى قفز الى الواجهة شخص جديد ركب في قطار هذا الملف هو المدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​...

معروف عن الرجل انه لا يهوى المعارك الخاسرة، وانه خاض مفاوضات قاسية خارج لبنان وقطف منها ثمار النجاح، فهل يخاطر بكل ذلك للدخول في متاهة مفاوضات تشكيل الحكومة، وهو يعي تماماً انه قد يحترق كالمسؤولين السياسيين؟ المعطيات تشير الى ان الضمانات التي تحدث عنها ميقاتي بعد تكليفه، هي نفسها التي تثبّت منها اللواء ابراهيم، واضاف اليها بعض الدعم من مصادر اخرى، اضافة الى الاستفادة من علاقاته الجيدة مع كل الاطراف ليبني على هذا الامر. وهذا يعني ان المعطيات الحالية تشير الى ان كفة نجاح ​تأليف الحكومة​، بات حالياً اكثر من كفة الفشل فيه، وهذا ما دفع اللواء ابراهيم الى الدخول على الخط. اضافة الى ذلك، فإن نجاح هذه "الوساطة" يعني اولاً ان اسم المدير العام للامن العام لم يعد محصوراً بطرحه كوزير كما حصل سابقاً ولو ان المسألة لم تكن صحيحة في حينه، وان دوره يصبح اكبر بكثير من حدود وزارة او وزير.

اما ما يعنيه ايضاً ان مكانته على صعيد اللاعبين المحليين المسؤولين منهم وغير المسؤولين وزعماء التيارات والاحزاب، ستنمو بشكل اضطرادي وستزداد عما كانت عليه وتتوسع، وهو امر لا يمكن اغفال معانيه، ليس فقط بالنسبة الى الداخل، بل ايضاً بالنسبة الى الخارج. من الواضح ان الرجل ليس بمثابة "فدائي" ليلقي بنفسه في المجهول، ومن يملك خبرته في المفاوضات ومعرفته بمعايير النجاح والفشل، لا يدخل معركة يدرك مسبقاً انها خاسرة. لذلك، يرى الكثير من المتابعين ان دخول اللواء ابراهيم على الخط هو مؤشر الى وجود معطيات محلية وخارجية تعمل على تقليص هامش الفشل في التشكيل، وتدفع باتجاه ​تأليف حكومة​ برئاسة ميقاتي تحديداً، تراعي التوازنات وتبقي الوضع السياسي على حاله حتى موعد ​الانتخابات النيابية​ المقبلة، مع التخفيف من حدة المعاناة المعيشية والمالية والاقتصادية بعض الشيء، فيكون الربح للجميع.