يوم الخميس في 19 آب، أبلغت السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا رئيس الجمهورية ميشال عون قراراً من الإدارة الأميركية بمتابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري الى عمّان، تمكنه من انتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا، بالإضافة إلى تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان.

في ذلك اليوم، فُسر القرار الأميركي على أساس أنه ردّ مباشر على إعلان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله إنطلاق أول باخرة تنقل المحروقات من إيران إلى بيروت، الأمر الذي سارعت الولايات المتحدة إلى نفيه، إلا أن الكثير من الأسئلة حول هذه الخطوة لم تطرح، خصوصاً أن تطبيقها من الناحية العملية قد يحتاج إلى الكثير من الوقت، في حين تعترضه سلسلة واسعة من التعقيدات.

من وجهة نظر الخبير الإستراتيجي أمين حطيط، الخطوة الأميركية تقرأ من زاويتين: التوقيت والطبيعة، فهي لا يمكن أن تُعزل عن قرار "حزب الله" كسر الحصار المفروض على لبنان وسوريا، كما أنها محاولة من الولايات المتحدة لإحتواء مضار الحصار وقطع الطريق على إنتصار إقتصادي تحققه المقاومة، يسمح لها بأن تقدم نفسها على أساس أنها المنقذ.

بينما تشير الخبيرة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن استجرار الغاز لتشغيل معامل الكهرباء في لبنان ليس بالأمر الحديث، حيث كان يستفيد من الغاز السوري لتشغيل معمل دير عمار لغاية العام 2006، وبعد ذلك كان أيضاً يستفيد من الغاز المصري لتشغيل المعمل نفسه لفترة قصيرة.

وتوضح أبي حيدر أن العرض الأردني تجدّد في العام 2017 لكن لم يكن هناك نيّة حقيقية لدى الجانب اللبناني للاستفادة من الأمر، وتشدد على أن لبنان اليوم بأمس الحاجة إلى أيّ مبادرة من الممكن أن تساعد في معالجة أزمة الكهرباء.

خط الغاز العربي

ما كشفت عنه السفيرة الأميركية أعاد إلى الواجهة مشروع خط الغاز العربي، الذي تم الإتفاق على إنشائه في العام 2000، والذي من المفترض أن يتولى نقل الغاز المصري إلى دول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا بطول 1200 كلم. في العام 2003، تم تدشين المقطع الأول من الخط، الذي يربط مدينة العريش المصرية بالعقبة الأردنية، بينما في العام 2008 تم الانتهاء من استكمال مسار الخط داخل الأراضي السورية وصولاً إلى طرابلس في لبنان.

المشروع كان يستهدف ضم منتجين كبار، كالسعودية والعراق، والربط مع الشبكة الأوروبية عبر تركيا، إلا أن التطورات التي حصلت في المنطقة حالت دون أن يبصر النور، الأمر الذي يفتح الباب أمام طرح الكثير من التساؤلات، نظراً إلى أن خطوط إمداد الغاز نحو أوروبا هي جزء من صراع كبير على مستوى المنطقة، مع العلم أنه مع إنطلاق أحداث ما بات يعرف بـ"الربيع العربي"، تعرض هذا الخط إلى سلسلة من الإعتداءات، سواء داخل الأراضي المصرية أو السورية.

في حديث لـ"النشرة"، تشير مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هايتيان إلى أن الخط العربي هو إمتداد لمشروع ربط الدول العربية بمشروع تعاوني، يبدأ من مصر وصولاً إلى سوريا مروراً بالأردن، وتلفت إلى أنه كان هناك مشروعاً ليصل إلى تركيا، بينما لبنان يستفيد من خط يمتد من سوريا نحو دير عمار.

وتوضح هايتيان أن الأساس اليوم هو أن الدولة اللبنانية تبحث عن تأمين الكهرباء بأسعار متدنّية بسبب الأزمة المالية التي تمر بها، وتلفت إلى أن الخطوة الأولى كانت الفيول العراقي أما الثانية فهي الغاز الذي هو أقل كلفة من الفيول، ومن أجل ذلك تم إحياء فكرة استيراد الغاز من مصر، لكنها تؤكد أن الخطوتين لا تحلان المشكلة وهناك اعتبارات سياسية وتقنية تؤخر الموضوع.

بينما تشدد أبي حيدر على أن الخط العربي ليس بالجديد ولبنان موقع على معاهدات واتفاقات حول هذا الموضوع، وترى ضرورة الكشف على الأنابيب، خصوصاً في الجانب السوري، لمعرفة ما إذا كانت مؤهّلة لاستجرار الغاز عبرها، وتضيف: "واشنطن تتحدث عن مساعدة من البنك الدولي لإعادة تأهيلها، وبالتالي على لبنان القيام باتصالات مع سوريا ومصر والبنك الدولي، بالإضافة إلى الأمم المتحدة".

تطورات إستراتيجية

في السنوات الماضية، حصلت العديد من التطورات المرتبطة بإمدادات الغاز على مستوى المنطقة، إنطلاقاً من إعادة رسم خارطتها السياسية على ضوء أحداث "الربيع العربي"، بالإضافة إلى التحولات التي حصلت على مستوى التحالفات بين الدول، من دون تجاهل حضور الجانب الروسي في الساحة السورية، أبرزها قد يكون توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط، في شهر أيلول من العام 2020، على الميثاق الخاص بالمنتدى، الذي بمقتضاه يصبح منظمة دولية حكومية في منطقة المتوسط تسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي وتحقق استغلالاً حقيقياً لموارده.

في مراسم التوقيع، شارك وزراء النفط والطاقة بالدول الأعضاء، أي مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن، بالإضافة إلى مستشارة وزير الطاقة الأميركي فيكتوريا كوتس ومدير إدارة الطاقة بالنيابة عن مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي كريستينا لوبيلو وذلك بصفة مراقب. في حين كانت الأنظار تتجه إلى تركيا، التي تعتبر المتضرر الأول من هذا المشروع، نظراً إلى الصراع الكبير بين أنقرة والقاهرة، بالإضافة إلى الصراع بين كل من تركيا وقبرص واليونان على الثروة الغازية في البحر المتوسط، بينما من الصعوبة في مكان تصور دخول بيروت ودمشق إلى هذا المنتدى بسبب وجود تل أبيب.

من وجهة نظر الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، المخطّطات بدأت في العام 2019 مع تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يستهدف عزل تركيا كي لا تكون جزءاً من مشاريع إستخراج وتوزيع الغاز.

ويوضح أن أنقرة قد لا تتوقف كثيراً عند مسألة الإستخراج المرتبطة بسيادة الدول المعنية، لكنها في المقابل لا يمكن أن تكون متفرجة على طريقة نقل الغاز من تلك الدول إلى المناطق التي تستورده لا سيما أوروبا، وبالتالي المحطات الأساسية بدأت منذ ما قبل الموقف الأميركي من استيراد الغاز المصري إلى لبنان، من دون أن يعني ذلك وجود صلة وصل بين الأمرين.

في هذا الإطار، من الضروري توضيح بعض النقاط التي تقود إلى رسم صورة أكثر تعقيداً لما يحصل على هذا الصعيد، أبرزها أن هذا المنتدى يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة، الراغبة في دفع دول الإتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادرها من الغاز، الأمر الذي يساهم في الحدّ من إعتمادها على الغاز الروسي.

بالتزامن، أساس أزمة أنقرة، التي تحتضن أراضيها خط غاز روسي نحو أوروبا، مع هذا المنتدى تكمن بولادة مشروع يستهدف مد الخط الذي يربط العريش المصرية بعسقلان في إسرائيل إلى قبرص، وبالتالي التخلي عن محطة ميناء جيهان التركي، الأمر الذي يعني تضرر مصالحها على نحو كبير.

هنا لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الأحداث التي رافقت هذه المرحلة، أبرزها الدخول التركي على خط الأزمة الليبية، الذي قاد إلى توقيع إتفاقية ترسيم حدود بحرية بين الجانبين، تقطع طريق الانبوب الذي يمتد من اسرائيل إلى قبرص وصولاً إلى باقي دول القارة الأوروبية، بالتزامن مع إرتفاع وتيرة التصعيد بين أنقرة والإتحاد الأوروبي.

أمام هذا الواقع، من الضروري السؤال عما إذا كانت الخطوة الأميركية تجاه لبنان، التي في الأصل لا تزال تعترضها العديد من العراقيل، هي فقط من أجل مساعدة هذا البلد أم أنها جزء من مخطط كبير على مستوى المنطقة، من المفترض أن تتضح معالمه في المرحلة المقبلة؟!.