لا يُحسد أيُّ وزير آتٍ إلى حكومة "وقف الإنهيار". هو أشبه بالإنتحاري الذي قرّر الدخول في لعبة يضع فيها تجربته ومستقبله في مساحة المجهول. إنّ طبيعة الأزمة اللبنانية، توحي بأنّ الإصلاح الكامل مستحيل، لإعتبارات تتعلق أولاً بالنظام السياسي المُهترئ الذي فكّك عملياً معظم مؤسسات الدولة، وثانياً بالنزاع القائم بين أركان المنظومة السياسية، الحاكمة والمعارضة، المُهادنة والمشاكسة. كلُّ ما يقال عن تحقيق أو تدقيق جنائي أو إصلاحات جذرية هي شعارات تُستخدم خلال السباق السياسي الجاري حالياً، الذي سيشتدّ في زمن ​الإنتخابات النيابية​ الآتية.

باتت ​الدولة اللبنانية​ عاجزة عن معالجة أبسط المشاكل: لم تستطع كلُّ الوزارات والإدارات والأجهزة والبلديات أن تعالج أزمة الطوابير. فإذا كانت الدولة برمّتها، فشلت في فرض قواعد إشتباك الطوابير على محطّات ​المحروقات​، فكيف يُمكن لها ان تعالج الأزمة المتشعبة بين إقتصاد وسياسة، وحسابات داخلية، وإرتباطات خارجية؟!.

فليعلم المسؤولون أن الشعب كفر بالأحزاب والزعامات، بالموالاة والمعارضة، بالمنظومة والنظام، بالحاكمين والمتلاعبين بالعقول ومثيري الغرائز الطائفية والمذهبية، و"بالثوّار". لا أحد يُمكن أن يكون بعيداً عن سخط الناس. والسبب: آلام المواطنين المعيشية، وأوجاعهم اليومية، وغياب الأفق. وحدها ​الهجرة​ هي مطلب المواطنين.

يترقب اللبنانيون ولادة حكومة جديدة، أملاً بحلول جزئية، تُتيح لهم التقاط الأنفاس، لا شوقاً لرؤية وزراء أظهرت التسريبات أن أسماء معظمهم دون مستوى المرحلة الصعبة. لماذا؟ أولاً، إن تجربة وشخصية رئيس ​الحكومة​ ​نجيب ميقاتي​ الدسمة، تزيد من المقارنة مع وزراء حكومته العتيدة. بالطبع، لن يكونوا أقل خفّة سياسية وفعالية من وزراء حكومة تصريف الأعمال الحالية. لكن، لا يبدو ان معظمهم سيكون أفضل. هي خيارات الزعامات السياسية التي ذهبت لتقديم اسماء تحت عنوان تكنوقراط، لكن تلك الزعامات تساهم في تسخيف العمل والتمثيل الوزاري: هل صارت الأحزاب تخشى من توزير كوادرها الوازنين؟ ما حاجة اللبنانيين للأحزاب بعد اليوم؟ لا بل، اذا كانت الزعامات مضطرة ان تقدّم أسماء وزراء غير حزبيين، فهل نماذج الموظّفين التي يجري تقديمها هي ناجحة؟ هناك سخط على أسماء خفيفة ستقلّل من وزن ​مجلس الوزراء​، وتجعل ميقاتي رئيس حكومة مقتدر في مجلس وزاري عاجز، متفرّج. بالطبع، هناك اسماء وازنة نسبياً جرى تسريبها، لكن غالبية الأسماء التي حُكي عنها هزيلة القدرات والتجارب والممارسة، عدا عن الإرتباطات الوظيفية وعلامات الاستفهام.

لا يستطيع ميقاتي ان يتهرّب من مسؤولياته، أو يرمي الكرة في ملاعب الزعامات والقوى، بالقول إنه إستلم الأسماء منهم، وهل هو "بوسطجي" أو صندوق بريد كي يقبل ما يُطرح من دون نقاش او رفض؟.

ان تجربة ميقاتي السياسية والاقتصادية، اضافة الى طريقة تعاطيه في ملف ​تأليف الحكومة​ حالياً، تؤكد أنه سياسي محنّك ومقتدر، لكن قبوله بحكومة غير وازنة سيضعف اداء مجلس الوزراء، عدا عن الإرباك الذي سيصيب عمل الوزارات، كما الحال مع حكومة تصريف الأعمال الحالية.

لا يكفي ان يكون الاختصاص ولا الشهادات العليا معياراً للنجاح الحكومي، بل القدرة والتجربة هما الاساس.

نخشى على الحكومة العتيدة، إن وُلدت، أن تكون شبيهة بحكومة سبقتها، مع فارق وحيد هو رئيس الحكومة.

يبدو ان كل شيء في البلد فقد وهجه، لم تعد الهيبة متوافرة، أثبتتها حكومة تصريف الأعمال الحالية، وقد ترسّخها الحكومة العتيدة.