لفت رئيس حزب ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ خلال القداس السنوي لراحة انفس "​شهداء المقاومة​ اللبنانية" في معراب، متوجها لأهالي الشهداء، إلى أنكم "وجدتمونا عندما احتجتمونا، في المراحل الماضية كلها، واليوم أيضاً وأيضاً نحن معكم ولكم صوت صارخ في البريّة يناضل ويقاتل ليل نهار لئلاّ ينفد الأمل في مجتمعنا وفي وطننا مع نفاد الأدوية والبنزين والمازوت ومتطلّبات الحياة الأساسيّة". وأضاف: "صوت صارخ في بريّة دولة غير موجودة، وسيادة منتهكة، وحدود سائبة، وإدارة مسيّبة، وفساد وهدر من دون حدود. صوت صارخ في برّيّة الخيانة الوطنيّة، والجريمة، والجهل، والفساد، والتّبعيّة وسوء الإدارة، ولكن ولكن إذا كانت جولة جماعة الظّلم والقهر والمعاناة والإفقار والتّدمير ساعة، فجولات قوات الحقّ والحريّة والإنسان ستكون حتّى قيام السّاعة".

وتابع: "أن يحرمونا المحروقات صعب جدا، لكنّ الشعب اللبنانيّ يجد دائما بعض الحلول. أن يحرمونا الدواء غاية في الصّعوبة، ولكن يبقى له دواء. ولكن أن يحرمونا الأمل، فهذه تكون نهاية الكون، فالقوات صوت صارخ في بريّة لبنان هذه الأيّام العصيبة وفي كلّ الأيّام، حتّى يكون الأمل الباقي محميّا مصانا بعيدا عن أيدي العابثين السّارقين السّالبين الفاسدين، مصّاصي طاقة الشّعب اللّبنانيّ ودمائه. نحن نحمل شمعة صغيرة بأحلام كبيرة، تضيء طريق الأمل للّبنانيين، ليتمكّنوا من اجتياز هذا النّفق الى النور".

وأكمل: "نحن ما زلنا القوات اللبنانية التي تعرفونها، لن نقبل مجرّد أن يحترق شعبنا في جهنّم التي أوجدوها، ولا أن نختفي في القعر الذي حفروه للبنان واللّبنانيين. ولا الإستسلام ولا إخفاء لبنان ولا تغيير معالمه ولا أن يجوع شعبه، ولن نقبل بأن يسلب شعبنا سيادته ولا كرامته ولا حريّته، وسنقاوم. نحن القوات اللبنانيّة مثلما قاومنا ليبقى لبنان مرّات ومرّات، هكذا هذه المرّة ايضاً، ومن يعش يرى".

وتوجه إلى جمهور ​14 آذار​ قائلاً، "يا شعب 14 آذار، ثورتكم قدّمت أرقى تجربة حضاريّة لمقاومة سلميّة انتصرت على أعتى الأنظمة الديكتاتوريّة، ومن ينجح بتحرير لبنان من نظام الرئيس السوري ​بشار الأسد​، لن يقوى عليه أي خاطف أو فاسد أو مستقو أو ظالم. لو قيّد لمشروعكم أن يترجم على أرض الواقع لكنّا أحيينا نموذج سويسرا الشرق، وأعدنا لبنان إلى هويّته التّاريخيّة ودوره وتألّقه وازدهاره ونمط عيشه، فثورتكم لم ولن تنتهي قبل تحقيق الأهداف التي من أجلها انتفضتم وكسرتم حواجز الخوف ووحّدتم السّاحات في ثورة عابرة للمناطق والطوائف، ولن نفقد الأمل في وطن انتفض شعبه في 14 آذار وعاود الكرّة في 17 تشرين. وعدي لكم اليوم، أنّ القوات اللبنانيّة، وكما كانت على الدّوام، ستبقى رأس حربة مشروع 14 آذار الذي، وإن تصدّع هيكلـه الخارجيّ، سيبقى الشعلة التي تنير درب خلاص لبنان. مقاومة مستمرة".

وأشار الى أنه "عهد الانهيار الشّامل، تديره مجموعة حاكمة تنازلت عن سلطة وسيادة الدّولة، وضربت مؤسّساتها، وحولتها إلى دولة فاشلة مارقة، يحكمها فاسدون، فاشلون، لصوص، خونة مجرمون. نحن مقتنعون بالممارسة والتّجربة، أنّ لا خلاص ولا تقدّم مع هذه الزّمرة الحاكمة، التي يشكّل نواتها الصّلبة الثّنائيّ ​حزب الله​ والتيار الوطنيّ الحرّ".

واعتبر جعجع أن "الأزمة اليوم ناجمة عن اختطاف الدولة اللبنانيّة ومؤسّساتها وأخذها رهينة لمصلحة غير لبنانيّة، وقد أدّى هذا الامر إلى فقدان لبنان صداقاته وعلاقاته العربيّة والدّوليّة. كما أن الأزمة ناجمة عن تحالف الخاطفين مع الفاسدين ممّا حوّل الدولة برمّتها إلى دولة فاشلة مارقة"، وأضاف، "أيّها ​اللبنانيون​، لا يستطيع حزب الله أن يكمل على هذا النّحو من تجاهل الواقع، وبهذه الطريقة من الاستخفاف والازدراء بمطالب النّاس المشروعة والمحقّة. ألا يعرف حزب الله أنّه يتحتمّ الجزء الأساسيّ من مسؤوليّة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة المدمّرة بعدما تسبّب في قطع علاقات لبنان مع محيطه العربيّ وإدخاله في صراعات ومحاور إقليميّة لا طائل منها ولا ناقة للبنان فيها ولا جمل. ألا يعرف حزب الله أنّه المتهم الأول بحماية ورعاية منظومة الفساد في الدولة ومؤسساتها وعند معابرها وحدودها؟ ألا يعرف حزب الله أنّه المتّهم بتعريض استقرار لبنان وأمنه للخطر الدائم بسبب احتكاره ومصادرته لقرار الحرب والسّلم وحيازته السّلاح المتفلّت، وأنه لم تعد تحميه وتغطّيه ثلاثيّة زائفة، وأحداث شويّا الأخيرة خير دليل على ذلك. إنّ حزب الله هو نقطة انطلاق أزماتنا الحاليّة جميعاً. هذه الأزمات التي يعاني منها ​الشيعة​ اللّبنانيون، كما بقيّة اللبنانيين. ولكن، وانطلاقا من الواقع التّعدّديّ اللّبنانيّ، تقع على إخواننا الشّيعة بالدّرجة الأولى مسؤوليّة تصحيح هذا الخلل الفاضح الحاصل باسمهم، ووجود دويلة قضت تقريبا على الدّولة، ممّا أدّى بنا جميعا إلى الواقع الأليم والمرّ الذي نعيشه".

وسأل جعجع الشيعة في لبنان: "هل تقبلون أن يسعى حزب الله، باسمكم وبالنّيابة عنكم، لتقويض هذا الكيان، واستلحاقه بمشاريع عابرة للحدود والقارّات، وتغيير وجهه وهويّته وطبيعته، مفرطا بإنجازات آبائكم وأجدادكم ونضالاتهم عبر التّاريخ؟ إخواني الشيعة في لبنان، بعد تحكّم حزب الله بمفاصل القرار الشّيعيّ ماذا حصل؟ هل ما نعيشه اليوم هو الإنماء المتوازن، أو هل تحقّقت العدالة الاجتماعيّة أو الإصلاحات التاريخيّة المنشودة؟ على العكس، لقد أصبح الفساد متأصّلا، وأصبح الإجحاف والتّهميش متوارثا، وأصبح التّمييز والطّبقيّة متأصّلين، وعاد الزّمن بكم وبكلّ اللّبنانيين مئات السّنوات إلى الوراء".

وتابع: "إخواني الشّيعة في لبنان، إنّ فكرة المقاومة إن لم تقترن بكرامة الإنسان ورفاهيّته وطبابته ولقمة عيشه وتعليم أولاده، تكون مجرّد شعار فارغ غير قابل للصّرف. إنّ الغاية النّهائيّة لأيّ مقاومة فعليّة لا تنحصر فقط بالبعد المعنويّ أو العسكريّ او الاستراتيجيّ، وإنّما أيضا تتعلّق بتحقيق كرامة الإنسان على المستوى الماديّ والمعيشيّ واليوميّ. فالصّاروخ لا يشبع جائعا، والأيديولوجيا لا تضيء منزلا، والمسيّرة لا تطبّب مريضاً".

وأكد جعجع أنه "ليست القوات اللبنانيّة هي عدوّتكم، ولا ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ ولا غيره من اللبنانيين، بل عدوّكم الفعليّ هو من أوصلكم وأوصلنا إلى ما نحن فيه. إنّ المكابرة التي ينتهجها حزب الله لن توصل الى أيّ نتيجة، فالمعضلة التي يعيشها اليوم، ليس سببها لا اميركا ولا السّعوديّة ولا الغرب ولا العقوبات التي يحكى عنها، إنّما هي مشكلة بنيويّة عضويّة تتعلّق بصلب تفكير حزب الله بأيديولوجيته ومشروعه السّياسيّ وطبيعته الشّموليّة المتناقضة مع طبيعة الواقع اللّبنانيّ، ومع نمط عيش الغالبية السّاحقة من الشّعب اللّبنانيّ وثقافته وتفكيره، ومع جوهر التّطوّر والتّغيير، وهو تاليا يسير عكس التطّور الطّبيعيّ للتّاريخ".

وتابع مخاطبا الشيعة: "اللّبنانيين بانتظاركم حتّى ترفعوا البطاقة الحمراء بوجه كلّ الممارسات التي يقوم بها حزب الله باسمكم، وتصرخوا في وجهه: هيهات منّا الذلّة. إنّ صوتكم المرفوع هو الصّدى لصرخات الغالبيّة السّاحقة من الشعب اللّبنانيّ".

ودعا جعجع الى "انتخابات نيابيّة تكون نقطة الانطلاق والخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل. وانتخاب رئيس جديد للجمهورية فور اكتمال عقد المجلس النّيابيّ الجديد، وتشكيل حكومة إصلاحات فعليّة منبثقة عن المجلس النّيابيّ الجديد تبدأ فورا بمسيرة الإنقاذ المنشود، وإجراء حوار وطنيّ برعاية رئيس الجمهوريّة الجديد لمناقشة كلّ المسائل والملفّات الخلافيّة خصوصا تلك المتعلّقة بسيادة الدّولة وسلطتها وقرارها، والاتفاق على كيفيّة تطبيق ما لم يطبّق من اتّفاق الطّائف خصوصا ما يتعلّق بالسّلاح والّلامركزيّة الموسّعة. يبقى أنّ نجاح كلّ هذه الخطّة يتوقّف على نجاح الخطوة الأولى والأساس فيها والتي هي الانتخابات النيابيّة".

وأوضح أن "ما يطالب به البطريرك الراعي خصوصا لجهة حياد لبنان وإبعاده عن الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة، ولجهة رفع اليد عن الدّولة، يعبّر بالضّبط وبالتّحديد عن رأي غالبيّة ساحقة من الشّعب اللّبنانيّ. فمن هنا ومن صميم قـلوبنا ألف تحيّة وسلام للراعي، خير خلف لخير سلف".

وأوضح أنه "إذا كان البعض يعيب علينا مشاركتنا في انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة فإنّنا فعلاً نأسف أشدّ الأسف أن تنقلب خطوة كانت مشبعة بكلّ نياتنا الحسنة وذات مرام وطنيّة ومسيحيّة هامّة جدًّا أردناها إنهاء للفراغ الرئاسيّ".