هبّة باردة، هبّة ساخنة... هو الوصف الذي يُمكن إطلاقه على نتائج الإتصالات والجُهود القائمة لتشكيل حُكومة جديدة، على الرغم من مُرور 392 يومًا على إستقالة الحُكومة برئاسة حسّان دياب. فما الذي يحصل على خطّ التشكيل، وما حقيقة ما يتردّد عن خلاف على إسمي وزيرين أفشل ولادة الحُكومة؟.

لا شكّ أنّ المسألة أبعد من الصراع على الحُصص الوزاريّة، ومن الخلاف على توزيع الحقائب، وعلى أسماء الشخصيّات التي ستحظى بلقب "المعالي". وهي بالتأكيد أعمق من خلاف على إسمي وزيرين... ومُرتبطة بتوازن سياسي دقيق له تأثيره على أكثر من ملفّ في المرحلة المُقبلة، وله أيضًا إنعكاساته على نتائج الإنتخابات النيابيّة ومن ثم الرئاسيّة-في حال تنظيمهما في موعدهما، وله كذلك الأمر إرتداداته على السُلطة التنفيذيّة في حال عدم إجراء الإستحقاقات الإنتخابيّة، ودُخول لبنان في أزمة سياسيّة أكثر حدّة.

في هذا السياق، وعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي تحقّق على مُستوى مُفاوضات تشكيل الحُكومة خلال الأسبوع الماضي، عادت الأمور إلى الوراء بشكل مفاجئ، وذلك لأنّ كل إسم مُرشّح لتسلّم منصب وزاري، أكان من جانب فريق رئيس الجُمهوريّة أم من جانب فريق رئيس الحُكومة المُكلّف أو حتى من قبل باقي الأفرقاء ومن الوسطاء، يخضع لعمليّة "تشريح" لتحديد مُيوله السياسيّة ووجهة تصويته المُرتقبة، بدقّة مُتناهية. وإذا كان رئيس الجُمهوريّة يُصرّ على أنّ تكون له كلمة في الأسماء المَطروحة، فإنّ رئيس الحُكومة المُكلّف يُصر من جهته على الحؤول دون أن ينال الرئيس حصّة تزيد على ثلث عدد الوزراء. وإذا كان الرئيس ​ميشال عون​ يعتبر أنّ تدخّله في الأسماء يدخل في سياق صلاحيّاته الدُستوريّة، فإنّ خُصومه الكُثر يعتبرون أنّ هذا التدخّل غير بريء، ويهدف إلى أن يحظى بما لا يقلّ عن 10 وزراء مَحسوبين عليه من أصل 24 وزيرًا. وليس بسرّ أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف لن يُوافق على هذا الأمر، لإعتبارات مُرتبطة باتفاق ضُمني وغير مُعلن، جمعه مع كلّ من "تيّار المُستقبل" و"رؤساء الحُكومات السابقين" عشيّة تكليفه، ويقضي بأن لا يوافق رئيس الحُكومة المُكلّف-أيّا تكن هويّته، على ما لم يقبل به رئيس تيّار المُستقبل سعد الحريري خلال مرحلة تكليفه.

بالتالي، ما لم يُوافق فريق رئيس الجُمهوريّة على الإكتفاء بحصّة من 8 وزراء (من ضمنها وزير حزب الطاشناق ووزير الحزب الديمقراطي) في حُكومة من 24 وزيرًا، لن ترى الحُكومة الجديدة برئاسة ميقاتي النور. أكثر من ذلك، في حال إعتذار رئيس الحُكومة المُكلّف، ستشتدّ الضُغوط على الشخصيّات السنيّة المُرشّحة لتولّي المنصب، من قبل "تيّار المُستقبل" و"رؤساء الحُكومات السابقين" وحتى من جانب "دار الفتوى"، لمنع حُصول تكليف جديد. فالقرار مُتخذ من جانب كل هؤلاء، ومن جانب رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وبعض القوى السياسيّة الفاعلة الأخرى، بعدم السماح للرئيس عون، ومن خلفه "التيّار الوطني الحُرّ،" بالحُصول على أغلبيّة عدديّة داخل الحُكومة-في حال تشكيلها، تُخوّلهحسم العديد من قراراتها أو حتى تطييرها في حال أراد ذلك. ولن تتمّ المُوافقة على حُكومة تُعطي فريق رئيس الجُمهوريّة نُفوذُا كبيرًا في السُلطة في الأشهر المُقبلة، وخلال مرحلة الإنتخابات المُنتظرة، وحتى في مرحلة ما بعد الإستحقاقات الإنتخابيّة المُنتظرة في حال تطيير الإنتخابات. وليس بسرّ أنّ وُجود أيّ أغلبيّة وزاريّة لفريق واحد في أيّ حُكومة كاملة الصلاحيّات، من شأنه أن يميل كفّة الميزان على طاولة مجلس الوزراء، بالنسبة إلى العديد من الملفّات، منها مثلاً ملفّات قضائيّة حسّاسة، وأخرى مُرتبطة بالتحضيرات للإنتخابات وبتنظيمها، وثالثة مُرتبطة بالسُلطة التنفيذيّة في حال دُخول لبنان في فراغ رئاسي، إلخ.

في كل الأحوال، وبعيدًا عن الأوهام، في حال تمكّن رئيس الحُكومة المُكلّف ​نجيب ميقاتي​ من تشكيل حُكومة جديدة، فإنّ أفضل ما سيحصل، يُختصر بالتالي: إبطاء سرعة الإنهيار، والعمل على تحضير الأجواء لتنظيم الإنتخابات النيابيّة في الربيع المقبل، وبدء التفاوض مع صُندوق النقد الدَولي على أمل الحُصول على قروض وعلى مُساعدات ماليّة دَوليّة في أقرب فرصة. وعلى الرغم من تواضع النتائج المُنتظرة من أيّ حُكومة جديدة، فإنّ تشكيلها يبقى أقلّ كلفة بكثير على لبنان من عدم تأليف حُكومة. وليس بسرّ أنّ الأفرقاء السياسيّين المُعارضين للعهد الرئاسي برئاسة العماد ميشال عون، قادرون على مُواصلة إفشال ما تبقّى من هذا العهد، طالما الرئيس عون مُصرّ برأيهم على عدم الإعتراف بالتغييرات التي حصلت في دُستور الطائف، وعلى عدم الإعتراف بتبدّل التوازنات الداخليّة التي حصلت خلال العُقود الثلاثة الأخيرة، وكذلك بتبدّل التحالفات التي حصلت خلال السنوات القليلة الماضية.

في الختام، يُمكن إختصار الواقع الحالي بأنّه عبارة عن صراع عميق خلف الكواليس على المُحاكمات وعلى الإنتخابات وعلى السُلطة التنفيذيّة، وليس على مُجرّد إسمي وزيرين، كما يتردّد في الإعلام!.