منذ منتصف الاسبوع الماضي، يتم الحديث عن اقتراب موعد تشكيل الحكومة العتيدة، من دون أن تنجح كل الوساطات والإتصالات في تأمين إصدار مراسيم تأليفها، نظراً إلى أن الجميع كان ينظر إلى هذا الملف على أساس أنه مجرد عقدة خارجية، من المفترض أن يقود حلها إلى أن تبصر النور.

مصدر الأجواء الإيجابية يعود بالدرجة الأولى إلى بروز معالم تراجع أميركي في كيفية التعاطي مع الملفّ اللبناني، لا سيما بعد دخول "حزب الله" على خط إستيراد المحروقات من إيران، الأمر الذي دفع بواشنطن إلى إعادة إحياء مشروع استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، الأمر الذي ترجم عملياً من خلال الضوء الأخضر الذي منح لزيارة الوفد الوزاري اللبناني ​دمشق​.

في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن معظم الأجواء الدولية والإقليمية باتت مساعدة في إتجاه تأليف حكومة ​نجيب ميقاتي​ الثالثة، حيث تتحدث عن مروحة واسعة من الضغوط يتولاها الجانبان الأميركي والفرنسي، في حين أن الموقف الإيراني، الذي عبر عنه الرئيس إبراهيم رئيسي خلال إتصاله بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يصب في الإطار نفسه.

بالنسبة إلى الموقف السعودي، تشير هذه المصادر إلى أنه لن يكون بعيداً عن الأجواء الإيجابية، رغم أنه لا يزال حتى الساعة في المنطقة الضبابية، أي غير المشجع أو الرافض، نظراً إلى أن لدى الرياض موقفها المعروف من أي حكومة لبنانية جديدة، فهي لن تذهب إلى إعطاء أي موقف إيجابي مسبق بإنتظار ما ستقوم به هذه الحكومة، خصوصاً على المستوى السياسي.

من وجهة نظر المصادر نفسها، هناك مصلحة أميركية واضحة في تأمين ولادة الحكومة، التي من المفترض أن تكون من عوامل الحد من الحاجة إلى النفط الإيراني، وتلفت إلى أن المواقف التي عبر عنها وفد الكونغرس، الذي زار بيروت الاسبوع الماضي، تصب في هذا الإتجاه، الأمر الذي يفسر الحركة التي تقوم بها واشنطن على هذا الصعيد.

في المقابل، تشير المصادر السياسية المطلعة إلى أن الأجواء الداخلية لا تسير على الوقع نفسه، حيث الصراع القائم حول الحقائب والحصص على أشده، بسبب المهام والأدوار التي من المفترض أن تُلقى على الحكومة المنتظرة، الأمر الذي يدفع معظم الأفرقاء إلى التشدد في مطالبهم، التي تخفي صراعاً من نوع آخر على التوازنات.

على هذا الصعيد، توضح هذه المصادر أن الحكومة المقبلة من المفترض أن تكون الأخيرة في عهد رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، بما يعنيه ذلك من دور على مستوى رسم التوازنات في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى دورها على مستوى الإشراف على الإنتخابات النيابية وتولي التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يقود إلى صورة الإنقسام الحالي في البلاد، حيث يجد "التيار الوطني الحر" نفسه وحيداً في مواجهة مجموعة واسعة من الأفرقاء، بينما يفضل "حزب الله" الموقف المحايد.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن مجلس الوزراء المقبل سيكون حلبة صراع بين الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية والآخرين المحسوبين على الأفرقاء الآخرين (حركة أمل، تيار المستقبل، الحزب التقدمي الإشتراكي، ميقاتي)، بينما معظم الملفات العالقة لا تزال، بالحد الأدنى، دون حل أو إتفاق على الخطوط العريضة لكيفية معالجتها، وتسأل: "كيف من الممكن تصور ولادة حكومة يدرك رئيس الجمهورية مسبقاً أن سلطة القرار فيها لن تكون له، لا بل هي ستكون مع أكثرية غير متعاونة معه، بأقل تقدير، من دون أن يحصل على ضمانات"؟.

في المحصلة، معالجة العقد الداخلية، التي تبدو الوحيدة التي لا تزال تعيق تأليف الحكومة، تتطلب واحدا من أمرين: حصول رئيس الجمهورية على التمثيل الذي يضمن له أن يكون شريكاً في سلطة إتخاذ القرار على طاولة مجلس الوزراء، أو تسوية حول مجمل الملفات التي من المفترض أن تتصدى لها هذه الحكومة، فهل هناك من يملك مفتاح هذه التسوية أو مستعد لضمان المشاركة الفعلية؟!.