في خطابه الأخير، أضاف رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ إلى "ثابتة" ​الانتخابات النيابية​ المبكرة التي يرفع لواءها منذ فترة، مطلبًا جديدًا من خلال الدعوة إلى انتخابات رئاسيّة مبكرة، تفرز "رئيسًا قبطانًا يقود سفينة الدولة والشعب إلى برّ الأمان (..) لا رئيسًا قرصانًا يأخذ الشعب رهينة أنانيّته، ويدير دفّة المركب على هوى مصالحه".

بدا مثل هذا المطلب مفاجئًا، بل جديدًا على أدبيّات "القوات اللبنانية"، وإن كان متوقَّعًا سلفًا أن يواصل جعجع "خرق" عادته التي دأب عليها لبعض الوقت، والقائمة على "تحييد" رئيس الجمهورية عن هجومه على "العهد"، و"​التيار الوطني الحر​"، بعدما ثبُت "زيف" مقولة الفصل بين المسألتين، وتأكد "الترابط" التام بين عون والوزير السابق ​جبران باسيل​.

لذلك، كان من المنُتظَر أن يرفع جعجع السقف تجاه رئيس الجمهورية، وأن يصعّد في لهجة الخطاب، وصولاً إلى حدّ "الاعتذار" عن "التسوية الرئاسية" التي "فاخر" يومًا بأنّه كان وراءها، وهو ما فُسّر خلف ثنايا "الأسف" الذي عبّر عنه، لـ"انقلاب" خطوة أرادها لإنهاء الفراغ الرئاسي، كما قال، إلى "مأساة" لم يعرف لبنان لها مثيلاً.

هكذا، كسر جعجع كلّ "الخطوط الحمراء" التي كان فرضها سابقًا على العلاقة مع ​الرئيس ميشال عون​، انطلاقًا من احترام "هيبة" موقع ​رئاسة الجمهورية​ بالحدّ الأدنى، لأنّ نتائج رئاسة عون جاءت "كارثيّة، بل كارثيّة جدًا"، وفق ما قال، ملمحًا خلف سطور كلماته، إلى أنّ "الرئيس القوي"، لم يكن كذلك، سوى بالشكل والكلام.

عمليًا، لا يبدو هذا الخطاب مفاجئًا أو صادمًا، ولو رآه البعض، ولا سيّما "العونيّون" منهم، نافرًا، فهو "يتناغم" إلى حدّ بعيد مع "التموضع" الذي اختاره جعجع لحزبه منذ فترة، يوم ارتأى الانتقال إلى صفوف المعارضة، والخروج بـ"لوك جديد"، ينفض عنه غبار السلطة ومحاصصاتها، لصالح نَفَسٍ ثوريّ، بعناوين "فضفاضة" واسعة.

بيد أنّ الدعوة إلى انتخابات رئاسيّة مبكرة هي التي جاءت خارج السياق برأي كثيرين، على بُعد أشهر من الانتخابات النيابية المفترضة، وبعدما أصبح شبه محسوم أنّ خيار "تبكير" موعدها غير وارد من قريب أو من بعيد، لأنّ "التحضير" لهذه الانتخابات يتطلّب وقتًا، بل إنّ البحث بتأجيل هذا الاستحقاق يكاد يصبح علنيًا، "وعلى عينك يا تاجر".

فهل صرفت "القوات اللبنانية" النظر عن الاستحقاق النيابيّ المرتقب، أو سلّمت بأمر "استحالة" إجراء انتخابات مبكرة في الوقت الحاليّ، فقرّرت نقل البندقية إلى "كتف" المعركة الرئاسية؟ وأيّ جدوى لـ"تبكير" هذا الاستحقاق أيضًا في ظلّ المعطيات السياسيّة الحاليّة، وعلى وقع الأزمات المتفاقمة؟.

الأكيد، كما يؤكد "القواتيون" أنفسهم، أنّ "الحكيم" لم يقصد بكلامه كلّ ما سبق، بل إنّهم يعتبرون أنّ هناك من "تعمّد" إساءة فهم "المقاصد" لغايةٍ في نفس يعقوب، إن جاز التعبير، ويشدّدون على أنّه لم يُرِد بكلامه إحداث أيّ تغيير في "الأولويات"، لأنّ "خريطة الطريق" بالنسبة إليه أكثر من واضحة، وهي تقوم على إجراء انتخابات نيابية أولاً، وقبل البحث بأيّ خطوات أخرى، باعتبار أنّ الاستحقاق البرلماني هو "المفتاح" الذي من شأنه أن "يقود" إلى برّ الأمان.

يقول "القواتيون" إنّ إجراء انتخابات رئاسية اليوم، وقبل إنجاز الانتخابات النيابية، هو عديم الجدوى، لأنّه لن يقود سوى لانتخاب رئيس من "الطينة" نفسها للرئيس الحاليّ، طالما أنّ "موازين القوى" داخل البرلمان لا تزال نفسها، وأنّ "​حزب الله​" يتحكّم بالأكثرية فيه، وهو بالتالي قادر على "فرض" الرئيس الذي يريد، تمامًا كما فعل يوم أصرّ على عون مرشّحًا وحيدًا، وجرّ الآخرين إلى "التسليم" بالأمر الواقع، وفق منطق "إما عون أو الفراغ".

أما "خريطة الطريق"، وفق المنطق "القواتي"، فتقوم على معادلة واضحة، بدءًا من إجراء انتخابات نيابية في أسرع وقت ممكن، وفق القانون الحالي، يفرز مجلسًا نيابيًا جديدًا يعكس "نبض" الناس الحقيقيّ، على أن يتولى هذا البرلمان انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل أن ينقضي العام الأخير من الولاية الرئاسيّة، بما قد يجنّب البلاد الرحلة "الجهنّمية" التي يدفعهم "العهد" دفعًا باتجاهها، مانعًا كلّ سُبُل ووسائل الإنقاذ.

وفي وقتٍ آثر الكثير من "العونيّين" تجاهل رسائل "الحكيم"، و"تطنيش" ما صدر عنه، لعدم "تضخيمه"، فإنّ مقرّبين منهم يعتقدون أنّ الحديث عن الانتخابات الرئاسية المبكرة، الذي "أحرج" جعجع من حيث لا يدري، لم يكن موفَّقًا ولا مبرَّرًا، وأظهر "الحكيم" وهو يقع مرّة أخرى في فخّ "الشعبوية" القاتل والمدمّر، بعيدًا عن "متعة" اللحظة الآنيّة.

ويلفت هؤلاء إلى وجوب البحث بالمَخارِج الدستوريّة التي تتيح إجراء انتخابات رئاسيّة مبكرة، علمًا أنّ الدستور وفق ما يقول الخبراء القانونيّون والدستوريّون، لم ينصّ صراحةً على أيّ إمكانية لإقالة رئيس الجمهورية أو تقصير ولايته، واكتفى بتناول حالة انتخاب الخلف في حال خلوّ سدّة الرئاسة، "بسبب وفاة الرئاسة أو استقالته أو لأيّ سبب آخر".

ويُستنتَج ممّا تقدّم أنّ الانتخابات الرئاسية المبكرة قد لا تكون واردة أو مُتاحة سوى في حالة الاستقالة "الطوعيّة" لرئيس الجمهورية، أو وفاته، علمًا أنّ كلّ من يعرف الرئيس عون يدرك سلفًا أنّ فكرة الرهان على استقالة يبادر إليها من تلقاء ذاته، أو على وقع الحملات الضاغطة، ساقطة حكمًا، من دون أيّ تفكير أو نقاش.

يقول البعض إنّه، لو كان جعجع "شفّافًا" في كلامه، لكان الحريّ به أن يدعو صراحةً إلى "استقالة" رئيس الجمهورية، أو أن يطلق حملة "فلّ" إزاءه، أسوةً بالحملة التي واجهت الرئيس الأسبق إميل لحود في العام 2005، طالما أنّه لا انتخابات رئاسية مبكرة سوى بهذه الحال، ولكنّ واقع الحال أنّه لم يُرِد سوى "دغدغة" المشاعر مرّة أخرى.

لم يقدّم "العهد" أبهى صورة، بعدما وصل إلى أسوأ واقعٍ يُرتجى في ظلّه، ولم يقدّم معارضوه في المقابل "البديل" المرجوّ، بعدما لجأوا إلى "الشعبويّة" أولاً وأخيرًا. وبين هذا وذاك، تبقى "العين" على الانتخابات النيابية، لعلّها تحمل "بداية التغيير" الفعليّ، إن حصلت في موعدها، ولم "يتواطأ" الجميع لـ"تطييرها" كما تؤكّد بعض التسريبات!.