تدريجياً يتعايش المواطنون في لبنان مع أزماتهم. تراجعت الضوابط الإدارية والأمنية في دولة تفقد هيبتها بسرعة. لا وجود لعناصر شرطة السير على أغلب المفارق في الشوارع، لا في العاصمة بيروت ولا في باقي المحافظات، وفي الوقت نفسه تعطّلت إشارات السير عن العمل بسبب غياب التيار الكهربائي في معظم ساعات النهار، وكلّ ساعات الليل، وغابت الصيانة بسبب عدم القدرة على تأمين قُطع الغيار. يُمكن رصدُ محاولات السائقين تأمين سيرهم على الطرقات من دون مشاكل عظيمة حالياً، لكنها ستتواجد بكثرة لاحقاً، في حال مضى البلد في طريق الإنهيار. لن يستطيع المواطن أن يصبر لا في سيره ولا في إنتظاره الطويل.

لماذا يغيب الشرطي عن معظم الطرقات حالياً؟ الجواب: هل يستطيع عناصر الأمن ان يصلوا دائماً إلى مراكز خدماتهم؟ لا تكفيهم الرواتب، وليس بمقدورهم تأمين المحروقات لسياراتهم. وكيف لهؤلاء ان يقوموا بواجباتهم الوظيفية بشكل كامل في أحوالهم التعيسة؟ لن تجد شرطيّاً بعد اليوم يقف ساعات تحت الشمس، ويرفع يده بشدّة، أو يُطلق الهواء في صفّارته لتوجيه الإنذار. ولا يمكن لوم أي رجل أمن صار يقضي ساعاته في الطوابير امام محطات المحروقات. لا يُمكن تهديده بعقوبة تأديبية من هنا، ولا نقل وظيفي عقابي من هناك.

حال الشرطي، ورجل الأمن، كحال العسكري والموظّف الإداري، من حال ​الدولة​ اللبنانية المنكوبة عملياً من دون اعلان رسمي لغاية الآن.

كيف لدولة تعمل مؤسساتها يوماً واحداً في الأسبوع ان تُنتج حلولاً للمواطن؟ وكيف لهذه الدولة التي لا تستطيع ان تؤمّن المحروقات لإداراتها الرسمية أن تلبي احتياجات الشعب الضرورية؟ وكيف لدولة لا تستطيع تأمين الورق والقرطاسية لمؤسساتها ان تدّعي وجود دولة؟ الطوابير متواجدة في كل مكان، وكل مؤسسات الدولة عاجزة عن تنظيم طابور واحد.

باتت الجمهورية اللبنانية هي جمهورية ​الأربعاء​، حيث يحضر الموظفون في هذا اليوم الى اداراتهم، وتفتح المؤسسات الرسميّة ابوابها في يوم واحد كل اسبوع. يعني ان الدولة تعمل اربعة ايام في الشهر، واذا بقينا هكذا، يعني عملياً ان جمهورية الاربعاء تعمل ٤٨ يوماً في السنة، أي شهر ونصف الشهر من اصل إثني عشر شهراً في العام. وهل هناك دولة واحدة في العالم تعمل مؤسساتها نهاراً واحداً لا غير؟!.

فلنفترض ان هناك مؤسسات تفتح ابوابها في كل ايام الاسبوع، فهل يوجد لديها مقدّرات لوجستية ومالية لتأمين طلبات المواطنين؟ خصوصاً أنّ البلد مُتعب في بيروقراطيته، ومُنهك في شروطه: إخراجات قيد ومعاملات وتواقيع لا وجود لها في كل دول العالم، في زمن التقدم التكنولوجي والمكننة الحديثة المتطورة يوماً بعد يوم.

إن ​المواطن اللبناني​ هو ضحيّة في جمهورية الأربعاء، لا آمال له في بلد مهترئ: لا كهرباء، لا محروقات، لا إدارات، لا حكومة، بوجود تعقيدات ومآسٍ. الآتي أصعب في حال تسلل التعب والإنهاك واليأس الى الأجسام الأمنيّة والعسكريّة. عندها تسقط كل معايير الدولة نهائياً، ويغيب الأربعاء مع باقي أيّام الأسبوع.