لم يقتنع اللبنانيون بكل المبرّرات التي يقدّمها مقرّبون من رئيس الحكومة المكلّف ​نجيب ميقاتي​، بشأن التأخير في عملية تأليف الحكومة. تسأل مصادر سياسية عبر "النشرة": ماذا يريد ميقاتي فعلاً؟ هل هو يريد التأليف؟ تقول المصادر السياسية ذاتها "إنّ تصرفات رئيس الحكومة المكلّف لا توحي بأنه جاد في الوصول الى تشكيلة حكومية، الاّ إذا كان ميقاتي يخشى من تعهّدات سيّاسية سبق أن قدّمها سلفاً لمن رشّحه لتولي تلك العملية، أي رؤساء الحكومات السابقين".

تبرّر المصادر نفسها طرح هذه الفرضيّات التي توحي وجود قيود تحيط بتصرفات ميقاتي إزاء عملية التأليف. بات اللبنانيون يعرفون ان رئيس الحكومة المكلّف إندفع في الأيام والاسابيع الأولى، لغاية "المتر الأخير" من مسار التشكيل الحكومي، ثم فرمل إندفاعته، ورفع لافتات الحجج: تارة سرّب المحيطون بميقاتي كلاماً عن "ثلث معطّل" يطالب به رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ مما يمنع ولادة الحكومة، وهو ما نفاه الأخير مرات عدّة، وتارة أخرى إختراع عقبات في نوعية الحقائب: العدل ثم الإقتصاد وبينهما شؤون إجتماعية، والتصويب على كل حقيبة من حصّة رئيس الجمهورية دون حصص غيره، ثم حاول رئيس الحكومة المكلّف الإيحاء بوجود عقدة الثّقة النّيابية المطلوبة ميقاتياً من تكتل "لبنان القوي".

لا يختلف إثنان حول مصلحة ميقاتي بولادة الحكومة، لأن ذلك سيبقيه تحت الأضواء محلياً ودولياً، بديلاً عن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ الذي تراجع دوره في الإتّجاهين الداخلي والخارجي. لا بدّ ان ميقاتي يعرف ايضاً ان ترؤسه للحكومة سيعزّز من نفوذه الشعبي، وخصوصاً في الوسط السنّي، بدل ان يبقى نائباً لدائرة انتخابية شمالية واحدة.

بالمقارنة بين مصالح رئيس الحكومة المكلّف وتصرفاته، ثمّة قطبة مخفيّة تقيّده. لذلك تقول مصادر سياسية لـ"النشرة" "إن هناك إعتقاداً بوجود خشية عند ميقاتي من الحريري الذي لا مصلحة له بأن يترأس غيره حكومة". تضيف المصادر: توحي كل الحملات الاعلاميّة والمواقف والتصرّفات لدى قيادات ونواب "تيار المستقبل" بأنهم يحرّضون ميقاتي على عدم التعاون مع رئيس الجمهورية في عملية تأليف الحكومة". تعتبر المصادر ذاتها أنّ نجاح ميقاتي سيساهم في إبقاء الحريري خارج المعادلات السّياسية اللبنانيّة والعربيّة والاجنبيّة. علماً ان رئيس الحكومة السابق يراقب الاهتمام الدولي الذي لم يعد موجوداً ببيت الوسط، بل صار الاميركيون والفرنسيون يتحدثون بشكل دائم مع ميقاتي بصفته رئيس الحكومة المكلّف، وفي حال نجح بمهامه سيصبح زعيماً سياسياً سنّياً، وتأتي الانتخابات النيابية بعدها لترفع من شأنه الشعبي في حال حقّق نجاحات حكوميّة.

كل ذلك يؤكد أنّ المستفيد الاول من عدم تأليف حكومة برئاسة ميقاتي هو الحريري لا غير. لكن تصرّفات رئيس الحكومة المكلّف تنفّذ رغبات رئيس الحكومة السابق، عن علمٍ لا عن جهل.

فإذا إستمر ميقاتي في ذات النهج، يعني ان رئيس الحكومة المكلّف هو مقيّد بإلتزامات مسبقة حُكماً، ومن دون أيّ شك. لكن، اذا أظهر حُسن نيّة تجاه رئيس الجمهوريّة في عمليّة تأليف الحكومة، فإنّه سيكون خرج من الجلباب الأزرق، نحو دور وطني أوسع.

يكون التحرّر من القيود الحريريّة عبر التعامل بواقعيّة في عمليّة تشكيل الحكومة، أيّ كما وافق ميقاتي على مطالب وحقائب وأسماء القوى السياسية من دون أيّ نقاش، يتجاوب مع الرئيس عون في طروحاته، خصوصاً بشأن إسم أو إسمين عالقين، أو حقيبة أو حقيبتين عقدتين يمنعان ولادة الحكومة.

تقول مصادر سياسية مطّلعة إن هناك مؤشرات في لبنان توحي بأن ميقاتي يقود معركة حلف سياسي ثلاثي ضد رئاسة الجمهورية مكوّن من الثلاثي: رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحريري، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، "وكأنّ المطلوب عدم السماح بأن يحكم الرئيس عون في آخر عهده، والاّ لا حكومة".

يبقى كل ذلك في إطار الفرضيّات السّياسية التي تُصبح باطلة في حال أقدم ميقاتي على تغيير نمط تعاطيه مع الملفّ الحكومي، وفعليّة في حال بقي يفرمل عملية التشكيل الحكومي.