عندما قرر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الإعتذار، كان يظن أنّ الحظ لن يضحك لأي شخصية سنية أخرى، خصوصاً أنّه أمضى أكثر من 9 أشهر في محاولة التأليف، لكن الضوء الأخضر الخارجي الذي كان ينتظره لم يأتِ. قبل ذلك، كان الحريري قد أحرق مجموعة من الأسماء التي رشحت لرئاسة الحكومة، إلا أن الأمر نفسه ما كان لينجح مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، نظراً إلى أنّ الأخير لم يكن ليقبل بالتكليف لو لم يحصل على ضمانات بالقدرة على التأليف.

خلال مرحلة تكليف ميقاتي، كان الحريري ينتظر إعتذاره على الكوع كي يثبت وجهة نظره بعدم القدرة على الإتفاق مع رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً أنه قرر أن يبدأ حملته الإنتخابيّة على أساس التصعيد بوجه "التيار الوطني الحر"، عبر الدعوات التي وجهت إلى عون للإستقالة، مباشرة بعد الإنفجار الذي حصل في عكار.

من حيث المبدأ، ساهمت الظروف الإقليميّة والدوليّة الحاليّة في إنجاح مهمة ميقاتي، خصوصاً بعد التطورات التي جرت على مستوى الصراع الأميركي-الإيراني على الساحة اللبنانية، حيث كان من الواضح أن واشنطن، بعد الإعلان عن بدء مرحلة إستيراد النفط من طهران من جانب "حزب الله"، في طور التراجع، على قاعدة أنّ الإستمرار في سياسة الضغوط سيقود إلى إرتفاع وتيرة الدخول الإيراني على الخطّ الإقتصادي في لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، لم تكن الظروف الداخليّة بعيدة عن مجموعة أخرى من التحولات، أبرزها تداعيات الإنهيار الحاصل على المستوى المالي والإقتصادي والإجتماعي، حيث كان من المرجّح أن يقود ذلك إلى إنفجار أمني لا أحد يريده، لكن الإستحقاق الأهم يبقى الوصول إلى مرحلة رفع الدعم، التي كان أي رئيس حكومة يخشى الوصول إليها في ظلّ وجوده في موقع المسؤولية، بينما اليوم هي باتت أمراً واقعاً لا مهرب منه، الرهان هو على تشكيل الحكومة للحدّ من تداعياته، على قاعدة الإنخفاض الحاصل في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

في لعبة التوازنات الداخلية، ما حصل عليه ميقاتي من رئيس الجمهورية ميشال عون، أو العكس، كان من الممكن أن يحصل فيما لو كان الحريري هو رئيس الحكومة المكلّف، لكن السؤال يبقى عن تداعيات تشكيل الحكومة على الأخير سياسياً، نظراً إلى أنه لن يكون قادراً للتصويب عليها أو على العهد، خصوصاً أنه ممثل على طاولة مجلس الوزراء بأكثر من وزير، وبالتالي خسر عملياً ورقة المعارضة التي كان يرى أنها من الممكن أن تكون رابحة في الإنتخابات النيابية.

بالتزامن، لن تكون تلك الإنتخابات سهلة على رئيس الحكومة السابق، الذي بالإضافة إلى أنه يخوضها من خارج السراي الحكومي لكن من دون أن يكون في موقع المعارضة، يفتقد إلى ورقة الخدمات التي كان يعتمد عليها في جميع الإستحقاقات الماضية، كما أنه يفتقد إلى ورقة التصعيد في وجه "حزب الله"، بعد أن كان الحزب، إلى جانب "حركة أمل"، الداعم الأساسي له خلال مرحلة تكليفه.

وفي حين ينظر إلى أن أيّ نجاح من الممكن أن تحقّقه الحكومة الجديدة على أساس أنه ضربة جديدة للحريري، خصوصاً أن ميقاتي يعرف جيداً كيف يستغلّ ذلك على المستوى الشعبي، لا سيما في منطقة الشمال، قد يكون التحدّي الأبرز بالنسبة إلى الحريري هو أن فرص عودته إلى رئاسة الحكومة، بعد الإنتخابات النيابية، لن تكون كبيرة، بسبب الوعود التي قطعت لميقاتي في هذا الشأن.

في المحصّلة، رئيس "تيار المستقبل" هو أكبر الخاسرين بعد تشكيل الحكومة، الأمر الذي سيتمظهر بشكل أساسي في الإنتخابات النّيابية، التي سيخوضها من دون دعم الحاضنة الإقليمية أو توفر الخطاب السياسي الجذّاب أو ورقة الخدمات، بينما على الساحة السنّية تحديداً هناك الكثير من المنافسين الذين يأكلون من الصحن الإنتخابي نفسه.