منذ ما قبل تكليف رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​، كان هناك قناعة لدى معظم الأفرقاء بأن الرجل ما كان ليقبل تولي المهمة فيما لو لم يحصل على ضمانات خارجية بالتأليف، نظراً إلى السمات الشخصية التي يتمتع بها، بالإضافة إلى مروحة علاقاته الدولية الواسعة، إلا أن ذلك لم يمنع اصطدامه بمجموعة من العقبات.

في هذا السياق، يمكن الحديث عن لحظة فاصلة في مسار التأليف كانت حاسمة في تسريع المفاوضات، هي إعلان أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​ عن إنطلاق أول ناقلة نفط إيرانية، الأمر الذي كان من الممكن أن يقود إلى القضاء على كل جهود التأليف فيما لو لم يصبّ التوقيت لصالح ميقاتي.

بعد هذا الإعلان، كان على الولايات المتحدة، التي كانت تمر بلحظة حرجة على المستوى الإقليمية تمثلت بالإنسحاب من أفغانستان، حسم موقفها بين خيارين أساسيين: الذهاب إلى تسوية مرحلية على الساحة اللبنانية أو المواجهة نظراً إلى أن الحزب كان حاسماً في مسألة اعتبار الباخرة كأرض لبنانية منذ لحظة انطلاقها.

خلال وقت قصير، تبيّن أن ​واشنطن​ ليست في وارد الذهاب إلى تصعيد من الممكن أن يقود إلى تداعيات كارثية على مستوى المنطقة، الأمر الذي فتح الباب أمامها للعمل على تحضير الأرضية لتسوية ممكنة راهنًا، تمثلت بالإعلان عن مشروع استيراد الغاز المصري وإستجرار الكهرباء من ​الأردن​ عبر سوريا، لكن كل ذلك كان سيبقى دون قيمة فيما لو لم يَقُد إلى ​تشكيل الحكومة​.

الخطوات الأميركية تصبّ في خانة السعي إلى الحدّ من الحاجة إلى النفط الإيراني، خصوصاً أن "حزب الله" كانت قد ربط إستمرار هذا المسار بحاجة لبنان إلى ذلك، بينما كانت فرنسا لا تزال تحافظ على قنوات الإتصالات مع مختلف الأفرقاء اللبنانيين، في ظل رهانها على الفوز بمجموعة واسعة من الإستثمارات بعد تشكيل الحكومة، بالتزامن مع تكثيف تلك التي على إرتباط مباشر بطهران، الأمر الذي ترجم بالإتصال الحاسم بين الرئيسين الايراني ​إبراهيم رئيسي​ والفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ الأحد الماضي.

منذ ذلك الوقت، بدأ الحديث عن معالجة مختلف العقد الخارجية التي تحول دون ولادة الحكومة، لا سيّما أن الجانب المصري، المستفيد إقتصادياً من مسار إستيراد الغاز إلى لبنان وسوريا، يطمح إلى لعب دور إقليمي على مستوى المنطقة، في ظلّ التراجع السعودي، وهو من أجل ذلك قدم صمانات بالسعي إلى تأمين غطاء عربي لحكومة ميقاتي بعد ولادتها، مع العلم أنّ القاهرة كانت حاضرة في مسار التأليف منذ مرحلة تكليف رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​.

إنطلاقاً من ذلك، تسارعت وتيرة الإتصالات المحلية والضغوط الخارجية لدفع الأفرقاء اللبنانيين إلى تقديم تنازلات تقود إلى تجاوز العراقيل القائمة، أبرزها ضمان حصول رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ على الشراكة في القرار داخل مجلس الوزراء، بالإضافة إلى معالجة مسألة تسمية الوزيرين المسيحيين، من المفترض ألاّ يكونا من حصته الوزارية، الأمر الذي تبيّن أنه ليس بالأمر المستعصي فيما لو توفّر القرار الخارجي الحاسم.

هذه المعالجة كانت تتطلب تقديم تنازلات متبادلة، لم تكن ممكنة قبل نحو اسبوع من اليوم، لكنها باتت سهلة جداً أول من أمس، الأمر الذي قاد إلى ولادة الحكومة، التي شعر الجميع بأنه خرج فيها منتصراً، حيث أن فريق رئيس الجمهورية يستطيع أن يعلن أنه لم يقدم أيّ تنازلات، سواء على مستوى الشراكة في التأليف أو التوازنات، بينما رئيس الحكومة يمكنه أن يؤكّد أن حكومته لا تتضمن ثلثاً معطلاً لأيّ فريق سياسي.

في المحصّلة، لن يذهب الأفرقاء السياسيين المشاركين في الحكومة إلى الحديث عن الثلث المعطل أو عن عمليّة كسر حصلت لفريق على حساب على الآخر، حيث هناك مصلحة مشتركة لهم في تمرير المرحلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة، لكن الأكيد هو أنّ القرار الخارجي الواضح هو الذي دفع بالجميع للعودة إلى الطروحات المنطقية التي تقود إلى التأليف، بعد أكثر من عام على لعبة شد الحبال التي دفع اللبنانيون ثمنها غالياً.