ولدت الحكومة في لبنان بعد مخاض عسير، صحيح انه لم يستغرق من الرئيس الذي تم تكليفه خلفاً للنائب سعد الحريري وقتاً طويلاً جداً، الا انه صحيح ايضاً انه كان استمراراً لمعضلة الحريري والمشكلة التي كانت قائمة محلياً ودولياً. الناحية الايجابية في الامر تكمن في ولادة الحكومة، اما الناحية السلبية فتتعدد وتتشعب، واولها انها حكومة يصح اعتبارها مكتومة القيد انما بصلاحيات دولية. هي حكومة التسويات والمفاوضات والبرامج الجاهزة، انما مع مشكلة اضافية تكمن في ان والدها اجنبي وامها لبنانية، وهو ما يطمئنها الى انها باقية حتى الانتخابات النيابية على اقل تقدير، وقد تبقى (بنكهة مطعّمة) الى ما بعد الانتخابات وحتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. كان رئيسها نجيب ميقاتي موفقاً في مخاطبته الوجدانية للبنانيين، وتفاعله معهم عبر الكلمة التي القاها بعد توقيع مراسيم التأليف، الا انه لم يكن موفقاً في استعمال عبارة سبق لسلفه ان استعملها حين كان رئيساً فعلياً للحكومة، ايام العزّ والانسجام مع رئيس الجمهورية حين قال ما معناه ان من لا يرغب من الوزراء في العمل فليرحل وسيكون في مواجهة معه ومع عون)، وقد تبيّن لاحقاً ان هذه المواجهة كانت سهلة ولكن كلفتها كبيرة على البلد وعلى الحريري وعون.

وفي عودة الى الحكومة الحالية، فهي هجينة بمعنى انها سياسية وحزبية من دون اي شك، الا ان الاسماء المنتقاة بعيدة عن الاضواء الحزبية، وبالتالي يمكن التعاطي معها محلياً ودولياً من دون استفزاز. سيكتب لهذه الحكومة النجاح، ليس في اخراج لبنان من ازمته، انما في وضعه على طريق الخروج، وسيحصل ذلك بأقل قدر ممكن من العمل الحكومي واقل جهد ممكن للوزراء، لسبب بسيط وهو ان البرنامج موضوع من الخارج ولا يحتاج الى الكثير من الجهد لتطبيقه. ومهما حاول البعض اقناعنا بأن الامور ستكون ضمن اطار المفاوضات ومحاولة تعزيز المكاسب، الا ان احداً لن يقتنع بأن البلد الذي بات في قعر الازمة، قادر على فرض آرائه وشروطه على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والدول والمنظمات الاجنبية. ستكون اللقاءات والاجتماعات شكلية، فما كتب قد كتب، وما تم وضعه على الورق الاجنبي هو الذي سينفذ... ولعل ابرز دليل على ذلك، هو سرعة الترحيب الدولي بتشكيل الحكومة، والتشديد على ضرورة البدء بالحديث مع المنظمات الاجنبية لوضع الاطار الذي يجب اتباعه للخلاص، والا...

حين تحدث رئيس الحكومة الجديدة عن "شد الاحزمة"، فهو يعي ما يقول، والضمانات التي تحدث عن الحصول عليها عند تكليفه، لا تزال على حالها، وعلى قاعدة لم تتغيّر مفادها الشروط الموضوعة منذ بدء الازمة اللبنانية والتي على اساسها تم وضع خظة النهوض في حكومة الحريري قبل ايام على استقالتها، لانه لم يكن هناك رغبة حقيقية من اي فريق او حزب، في السير بهذه الشروط في حينه من دون الحصول على مقابل، ولم يكن الجو الدولي في وارد القبول بشروط او تقديم مكاسب لاي كان، ليقينه بأنه في نهاية المطاف سيخضع لبنان لمصيره، عاجلاً ام آجلاً، الا ان "طول نفس" اللبنانيين جعل الخضوع آجلاً، بحيث كان يجب ان نسير على هذا الدرب بعد فترة قصيرة من استفحال الازمة، من دون انتظار فترة سنتين.

أنقذ عون نفسه، كما ميقاتي والاحزاب، عبر الاعلان عن الحكومة الجديدة، وهي "طبخة" اجنبية بمكونات لبنانية ستأخذ بعض الوقت قبل ان توقف الانهيار بدعم اجنبي، وتبدأ مرحلة الصعود فور الموافقة (باقتناع تام) بما تم وضعه مسبقاً من قبل الدول المعنية، وبما تم التوصل اليه بين الدول الفاعلة في ما يخص الوضع الشامل في المنطقة.