لم يسبق ان إنتظر اللبنانيون تأليف حكومة في بلدهم بعد تصريف أعمال طويل الأمد. كانوايتوقون لحكومة تضع حدّاً للإنهيار الاقتصادي المؤلم الذي يعاني منه الشعب. حلّت بوجوه لا يعرفون عنها شيئاً لا في الإدارة ولا في السياسة، سوى بعض الوزراء الجدد الذين كانت لهم اطلالات اعلاميّة محبّبة. سينتظرون قليلاً قبل الحُكم على عمل مجلس الوزراء. لن تكون المهمة الحكومية سهلة، ولا هي مستحيلة الأهداف. هناك قرارات صعبة ستُفرض عليهامن قبل جهتين: الواقع المالي اللبناني المأزوم، وصندوق النقد الدولي. لن تستطيع الحكومة ان تتحرك من دونهما. لن تملك عصا سحرية تتيح فرض الحلول الجذرية، لأن البناء صعب، خصوصاً في ظل تلاطم الأمواج في بلد من دون ركائز اقتصادية إنتاجية.

يعرف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي انه دخل في أصعب إمتحان في تاريخ لبنان.

فكيف ستتصرف الحكومة؟ حسناً فعل رئيسها بدعوة وزرائه إلى الكفّ عن الحكي، والانصراف للعمل. ليس البيان الوزاري من يحدّد المسار التنفيذي للحكومة. سبق وان قدّمت الحكومات السابقة بيانات رائعة، وطنية، وانسانية، واصلاحاً، ورؤيوية، وانتاجاً، وعدالة اجتماعيّة. لكن لم تلتزم الحكومات السابقة بتنفيذ أجزاء متواضعة من تلك البيانات. فليُقدم ميقاتي على السير بخطوات عملية في طليعتها التواصل مع العواصم الدولية.

فليبدأ رئيس الحكومة بزيارات خارجيّة منتجة في كل اتجاهات العالم. فليُخصص يومين اسبوعياً من وقته لزيارة عاصمة عربيّة واقليميّة وغربيّة. ينقصنا التواصل مع العالم لترميم العلاقات، وتفعيل الصداقات التي تفيدنا اقتصاديا، عبر الهبات والمساعدات، وايجاد اسواق لمنتوجاتنا الزراعيّة والصناعيّة. يعرف الخبراء انّ ايجاد اسواق هو خيار أفعل من دعم المزارعين او الصناعيين بمساعدات مباشرة. كما ان المغتربين المتروكين بعد الاطاحة بودائعهم بحاجة للتواصل مع المسؤولين اللبنانيين. لم يترك المنتشرون اهاليهم ولا وطنهم، كما اثبتت التجارب. لكن احزانهم وقلقهم يُمكن تبديدها بالتواصل المباشر معهم، بعد ان اطاحت الحكومة السابقة بكل علاقات لبنان مع الخارج، ولم تقم بأيّ خطوة، نتيجة عجزها، للتواصل مع العواصم القريبة والبعيدة.

يُمكن لميقاتي ان يبدأ من مصر التي ستواكبنا في جرّ الغاز، والكويت التي سبق واعلنت عن استعدادها لمساعدتنا في موضوع الكهرباء، وسوريا التي لا يُمكن أن نتنفس عربياً من دونها، والعراق والامارات وعُمان والسعودية وقطر، وكل الدول العربّية الأخرى. يحق لرئيس الحكومة أن يزور إيران التي تستعد للدخول في مرحلة جديدة بعد التفاوض مع الغرب: الم تفعّل باريس علاقاتها مع طهران؟ فلماذا يُمنع على بيروت ان تخطو خطوات فرنسا؟.

لا يوجد اي مانع امام ميقاتي ان يجول العالم بحثاً عن أي خيط يقود لإفادة لبنان إقتصادياً. ولا يجب ان ينشغل فقط بملفات الداخل، رغم اهميتها، فهو قادر، كما اثبتت التجارب على إدارة ملفات الحكومة بحنكة ودراية ونجاح.

سيصفّق اللبنانيون لميقاتي عند اتخاذه اي قرار مفيد ومنتج. سيشيدون بجهوده في حال نجح بتأمين الكهرباء. ان لبنان اليوم هو صحراء قاحلة تعاني من القحط. لذا، أيّ قطرة ستُنتج شتلة أو وردة في هذه الصحراء ستظهر واضحة للبنانيين وتعيد الثقة تدريجيًّا بالبلد، ولو بعد حين، فكيف اذا كان بعد القطرة واحة؟.