لم يكن تفصيلاً أن ينهي أمين عام حزب الله ​السيد حسن نصرالله​ خطابه، يوم الإثنين الماضي، بالعبارات التالية: "كما خابت كل رهاناتكم وفشلت كل سياساتكم وتكسرت كل مؤامراتكم، ستفشلون وستخيبون وستبقى المعادلة الذهبية التي تحفظ ​لبنان​ في أمنه الداخلي وفي حدوده وتثبت معادلات الردع وتحمي كل ما له صلة بهذا البلد"، فهي مؤشر على ما ينتظر البلاد في المرحلة المقبلة، لا سيما أنّ التسوية التي قادت إلى تأليف الحكومة ليست نهائية، بل هي مرحليّة الهدف منها تمرير الوقت حتى موعد الإنتخابات النيابية، بعد أن كانت الضغوط قد وصلت إلى مرحلة تهدف لنسف هذا الإستحقاق.

في ذلك الخطاب، كان يتحدث السيد نصرالله عن خطة توزيع المحروقات التي استقدمها "حزب الله" من ​إيران​، والتي كانت من أبرز العوامل التي ساهمت في ولادة الحكومة، نظراً إلى أنّها دفعت الجانب الأميركي إلى تقديم تسهيلات تصبّ في هذا الإتجاه، من المفترض أن يلمس المواطنون تداعياتها في المرحلة المقبلة، مع بدء وصول النفط العراقي ودخول المازوت الإيراني على الخط، بالإضافة إلى السرعة التي تتمّ فيها عملية استيراد الغاز المصري.

في هذا السياق، كان من الواضح أنّ السيد نصرالله أصرّ على إعادة التأكيد على أن الخطوة التي أقدم عليها الحزب لم يكن يريد منها إستفزاز أيّ طرف، الأمر الذي ساعد رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ على تجاوز القطوع، الذي كان من الممكن أن يهدد كل عملية التأليف، فيما لو كان القرار الأميركي التعامل مع هذا التطور بطريقة أخرى، إلا أن السؤال يبقى حول الشكل الذي سيتخذه الصراع في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن المواجهة على الأرض اللبنانية لن تنتهي عند هذا الحد.

من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، من غير المتوقع أن تكون التسوية الحكوميّة هي نهاية المطاف، بل هي مقدّمة من الممكن أن تقود إلى ما هو أكبر من ذلك أو إلى الإستمرار في الصراع الذي كان قد انفجر قبل نحو عامين، نظراً إلى أن الهدف يبقى هو الإنتخابات النيابية المقبلة، حيث الرهان على كيفية إستثمار كل التحولات التي حصلت في صناديق الإقتراع.

هذا الواقع، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها عبر "النشرة"، يتأكد من خلال الملفّات التي تنتظر المنطقة خلال الفترة المقبلة، من الإنتخابات التشريعيّة العراقيّة الشهر المقبل إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، من دون تجاهل تلك القائمة بين الرياض وطهران، حيث تلفت إلى أن لبنان لن يكون جزيرة معزولة عما يحصل في المحيط، خصوصاً أن التسهيلات التي ستحصل عليها ​سوريا​، ضمن مشروع الغاز المصري، من المفترض أن يكون لها تداعيات سياسية.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ ما حصل على مستوى ​تشكيل الحكومة​ يندرج في إطار "التجربة"، نظراً إلى أنّها تعكس الرغبة في الذهاب نحو مسار التسويات بين الجانبين الأميركي والإيراني، الذي كان قد بدأ منذ إنتخاب الرئيس الأميركي ​جو بايدن​، إلا أنها تؤكد أن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض، لأنّ الحديث هو عن مسار طويل قد يمتدّ أشهر عديدة، وبالتالي من المفترض أن يكون لبنان خلاله في مرحلة إنتظار ما هو مقبل على هذا الصعيد.

في هذا الإطار، تدعو المصادر السياسية المطّلعة إلى التوقف عند ما ذكره نائب رئيس تيار "المستقبل" مصطفى علوش، يوم أمس، عندما تحدث عن أن "مصير لبنان كدولة وكتركيبة سياسية وكدستور سيُطرح خلال الأشهر المقبلة"، وتلفت إلى أن ما قاله لا يأتي من فراغ بل يتم التداول به، في بعض الأروقة السياسية، منذ فترة طويلة، خصوصاً أنّ المرحلة المقبلة على مستوى التعقيدات الداخلية لن تكون أقل خطورة عما يحصل في المحيط من تطورات.

حتى الوصول إلى ذلك الوقت، تشير المصادر نفسها إلى أنّ حكومة ميقاتي سيكون لديها العديد من الأوراق التي من الممكن أن تستخدمها لتمرير الوقت بأقل قدر ممكن من الخسائر، لا بل حتى العمل على وضع لبنان على السكّة التي من المفترض أن تقود إلى الخروج من الأزمة، في حال كان هناك إرادة جدّية بذلك، بدءاً من طريقة إدارة المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، وصولاً إلى كيفيّة معالجة الأسعار المتعدّدة لسعر صرف الدولار وأزمة الكهرباء، من دون تجاهل أهمّية مهمّة إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة.

في المحصّلة، لدى هذه المصادر قناعة بأنّ مهمة الحكومة ستكون بين حدّين: تمرير المرحلة المقبلة بأقل قدر من الخسائر أو التأسيس لمرحلة جديدة في البلاد، الأمر الذي يتوقف على مسار المفاوضات القائمة على مستوى المنطقة، بالإضافة إلى كيفية تعامل القوى السياسية مع الملفات الضاغطة محلياً.