لا يحتاج المرء الى الكثير من الجهد لتبيان حقيقة واضحة للجميع، وهي ان التناغم والود مفقودان بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، وهو ما انسحب ايضاً على العلاقة بين بري والنائب ​جبران باسيل​. بري المعارض الشرس لوصول عون الى رئاسة الجمهورية، لم "يهضم" فشل مسعاه الرئاسي، فيما لم "يقصّر" عون من جهته في رد التحية كلما سنحت له الفرصة، فيما لاحظ باسيل ان بري ورقة ناجحة مسيحياً، بمعنى ان الوقوف في وجهه يرضي المسيحيين (وشريحة من غير المسيحيين كذلك)، فقرر سلوك هذا الدرب ايضاً. وكي لا نعيد تطور وتسلسل الاحداث منذ انتخاب عون رئيساً وحتى اليوم، نكتفي بالقول ان رياح الانتخابات بدأت تلفح الخطاب السياسي اللبناني، وقد يكون ذلك السبب الرئيسي في الانتقاد القوي الذي وجهه باسيل اخيراً الى بري، والرد الاقوى الذي صدر عن "مصادر" قريبة من رئيس مجلس النواب. ولا بد من القول ان التوقعات والمعلومات كلها تشير الى ان السجال لن يتطور الى اكثر من ذلك، وان المسألة تعتبر بمثابة المنتهية لان الهدف منها قد تحقق بالفعل.

من غير المستغرب ان يعمد باسيل الى مهاجمة بري والنائب سعد الحريري، خصوصاً بعد توقيع مراسيم تشكيل الحكومة، فهو قد عانى الامرّين منهما خلال تكليف الحريري تشكيل الحكومة في السابق، وجهد لمنع تهشيمه وتحطيمه سياسياً طوال الفترة الماضية، وهو بالتأكيد يلومهما معاً على معاناته السياسية في الفترة السابقة. اليوم، وبعد ان عرف الجميع ان لباسيل (بغض النظر عما اذا كان استفاد من دعم عون له ام لا) دوره في الحياة السياسية وان صورته لم تتراجع، بقي عليه ان يثبت نفسه على الساحة الشعبية، وذلك من خلال الانتخابات النيابية بشكل فاعل، وهو سيعتمد حتماً على استراتيجية المحافظة على اصوات التيار من الحزبيين والمؤيدين الذين صبوا لصالحه في الانتخابات السابقة، ومحاولة "سرقة" بعض الاصوات الاخرى من خلال الوقوف في وجه بري، وهي ميزة يعتبر انه الوحيد الذي انخرط بها لان الجميع يتودد الى بري، حتى الذين يختلفون معه في الرؤية السياسية، وهو يغمز اولاً من قناة "القوات اللبنانية" التي لا تنتقد بري الا نادراً وبحدود معينة، فيما فتح باسيل النار من دون ضوابط، على رئيس البرلمان. هذه الاستراتيجية اثبتت انها ناجحة في الانتخابات السابقة، وقد تثبت نجاحها ايضاً في الاستحقاق المقبل، وما ساعد باسيل على الدخول مجدداً في هذه الاستراتيجية، هو ان الحكومة قد تشكلت بالفعل، وانه حظي بما يريده من ضمانات فوافق على منحها الثقة، وبالتالي جرّد خصومه السياسيين من ورقة اتهامه بالعرقلة وبمنع لبنان من التنفس، ومعاندة رغبة الخارج باقامة حكومة للبدء بمسيرة اعادة لبنان الى المسار الصحيح للنهوض.

انتظر باسيل الوقت المناسب لفتح معركته الانتخابية بشكل غير رسمي، وهو سينتظر لمعرفة مدى نجاح خطته، فإذا اثمرت وجب علينا ان ننتظر المزيد من الانتقادات لبري والحريري في المراحل المقبلة، واذا لم تنجح فسنكون امام استراتيجية جديدة حيث ستبقى فيها عناصر الانتقاد لهذين الرجلين ثابتة، انما وفق فترة زمنية متباعدة بعض الشيء، وفي مواضيع محددة بدقة، فيما سيكون الرد عنصراً مساعداً له في معركته.

انتهت حقبة الصراع الحكومي، وبدأت معركة الصراع النيابي، وهي معركة اكثر اهمية وحدة من سابقتها، لانه يتوقف عليها اثبات فاعلية وشعبية اللاعبين المحليين، ونظرة الخارج اليهم في المراحل المقبلة، ومدى القدرة على الاعتماد عليهم او وضعهم على طاولة التفاوض وتقسيم النفوذ.