تلقيت رسالة صوتية، من أحد الأحباء المهاجرين في الولايات المتحدة الأميركية، معلّقًا على عظتي للأحد الذي يلي عيد إرتفاع الصليب، حيث استغرب إشارتي إلى أن عددًا كبيراً من شبابنا، طلاب الجامعات الكبرى، متأثرين بتوجيهات ونظم وأساليب هذه الجامعات، لدرجة عدم المبالاة بالإنتماءات الدينية وممارسة الطقوس، إلا في مناسبات نادرة. كما تفاجأ من إشارتي إلى موضوع التدنّي الأخلاقي الذي أشرت إليه.

جاءت هذه الفقرة من العظة، تعليقًا على الآية الكريمة: "أَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ" (مرقس 8: 38).

فهذا جيلٌ بمعظمه لا يعني له يسوع المسيح شيئًا، كما أن الإلتزام الكنسي، أو القيم الدينية والأخلاقية عمومًا، ليس أولوية بنظرهم. أخذهم وسحرهم المجتمع الإستهلاكي، والتطور العلمي، ودنيا المال والأعمال و"السوشال ميديا".

وقد ورد تحديداً في الرسالة الصوتية، لصديقي المهاجر في أميركا، اعتقاده، أن تدنّي نسبة الإلتزام الكنسي والأخلاقي، ليست بهذا القدر في لبنان، وشكر ربّه على أنّ أولاده، الذين ولدوا في أميركا، بقوا محافظين على رباطهم الكنسي والأخلاقي، رغم انتمائهم إلى الجامعات هناك، وأردف قائلًا، اشكر الله، أن أولادي ما زالوا، أيضًا، محافظين على مفهوم الجنس، رغم أننا في أميركا نعاني من صراع حول تحديد الهويّة الجنسيّة لكثر، إضافة إلى تشريع زواج مثليي الجنس، وغيرها من الأمور المشابهة.

انتهى الحوار عند رسالة صوتية معاكسة، من قبلي، حمّلت فيها الأهل أولًا المسؤولية، ومن ثم الجامعات، بما فيها ذات الطابع والإدارة الدينية، والذين بخلفيّة الحرية والتطور والتقدم العلمي، غدا كل شيء مباح ومشروع.

لم أكن لأتناول هذا الموضوع، لولا مشاهدات نواجهها في كنائسنا، لشباب، إضطروا إلى المشاركة في مناسبات كنسية، (دفن، عرس، عمادة أو جنّاز) ولم يتفاعلوا مع الصلوات، أو رسم إشارة الصليب، أو التقدّم من القرابين المقدّسة. وكأني بهم في في مسرح أو صالة سينما، يستذوقون العرض ويتفاعلون معه، أو العكس تمامًا. والمفارقة أن ذوي هؤلاء، أقلّه يتقدمون إلى المقدسات ويتناولونها.

الى أين؟ سؤال يطرح على ضمير الكنيسة أولًا، وعلى ضمير الأهل ثانيًا. أما إدارات الجامعات فليست هي المكان الذي فيه يعالج المؤمن هذا النوع من المشاكل. علينا ككنيسة أن نحصّن أولادنا.

شبابنا بأمسّ الحاجة إلى توجيه وحوار وإرشاد. شبابنا بحاجة إلى شعور بالسلام والهدوء والأمان. شبابنا بحاجة إلى الثقة بالكنيسة وأحبارها وكهنتها والمؤتمنين على العمل الرعائي فيها. شبابنا بحاجة إلى فتح باب النقاش معهم حول مواضيع كنسيّة وإجتماعيّة، وجنسيّة، وأخلاقية، ومالية، وعلمية، ونفسيّة إلخ. على الكنيسة أن تستعين بأخصائيين في مجالات متعددة، مشهود لهم بالإيمان والتقوى، لتتعاون وإياهم في معالجة أزمات يتخبّط بها شبابنا. هذا دليل تواضع وسبيل للنجاح.

الكنيسة هي الأم التي تستطيع أن تحتضن أبناءها بمحبة مطلقة، لا غايات فيها، ولا خلفيات سياسيّة أو حزبيّة. جلّ ما تبتغيه أن يخلصوا وإلى معرفة الحق يقبلوا.

هذا هو التحدي الحقيقي، ومن الواجب بمكان أن يسهر الأهل على تربية أولادهم، وعلى زرع كلام الرب في قلوبهم منذ نشأتهم، وبهذا تصبح الخميرة فعّالة. فمن أولى مسؤولياتنا، خلاص الآخرين. فهل نترك شبابنا للمجهول، ينزلقون في آفات متعددة، وفي طليعتها المخدّرات والجنس، ولا تقل وسائل التواصل الإجتماعي خطرًا، لناحية الإدمان عليها، وما تؤثر على شبيبتنا سلبًا، في حال عدم استعمالها بطرق إيجابية.

ولا أخفي أن شبيبتنا أيضًا ينشدون الهجرة بقوة، وهذا عائد طبعًا إلى عوامل إقتصادية وسياسية وأمنية، وأكثرهم تأثرًا الشارع المسيحي الذي تتآكل شبيبته الصراعات الحزبية، بحيث بتنا في مراحل، نلمس الإنشقاق، العامودي والأفقي، داخل صفوف الشباب، لتنفيذ أجندات حزبية، لهذا الزعيم أو ذاك، من أجل زيادة نائب من هنا ومن هناك.

تزايد هجرة الشباب على أنواعه، ولا سيما عند المثقفين والحائزين على شهادات عليا، باتت السمة البارزة منذ سنتين تقريبًا عند كل الطوائف عمومًا، والمسيحيين خصوصًا، نتيجة تراكمات مشبوهة، بالإضافة إلى فشل التحرك الذي انطلق آواخر ٢٠١٩، لغايات واجندات مشبوهة.

ولولا جائحة الكورونا لشهدنا ارتالاً من المهاجرين، الذين تسعى دول عظمى لاستقبالهم، ربما في سبيل إفراغ هذا الشرق من اصوله وجذوره. وكأنّ سفن عام ١٩٧٥، ترسو مجددًا، وبطريقة مقنّعة، على الشواطئ اللبنانية، وطيف هنري كيسينجر يحوم حولها.

شبيبتنا في خطر كبير، على كافة الصعد والمستويات، شبيبتنا تتقاذفهم أفكار متنوعة، شبيبتنا يعيشون فراغًا روحيًا وهمومًا كثيرة، شبيبتنا مستقبل البلاد، فإذا لم نستطع أن نخلق لهم مساحة من الحوار البنّاء والمقنع والفعّال، المرتكز على أسس علمية ومنطقية، فلن نستطيع، عندها، أن نحافظ على انتمائهم الديني والوطني والعائلي، المبني على الإنفتاح والوحدة ضمن التنوّع، لا على الإنغلاق والتعصّب والتقوقع، عند كافة الفئات. فالإنتماء والإلتزام الديني عند سائر المذاهب، هو في سبيل خلق ديناميكيّة متنوعة، منتجة وإيجابيّة، لا خلق حركات تعصّبية تقضي على الشباب، وتجرفهم في المجهول.

شبيبتنا آمانة في أعناقنا، فلنتعاون جميعًا، من أجل أن نصون حياتهم ومستقبلهم.

الأب الياس كرم