خطفت "رسالة التهديد" التي قيل إنّ "​حزب الله​" وجّهها إلى المحقّق العدلي في جريمة ​انفجار مرفأ بيروت​ القاضي ​طارق البيطار​، عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق فيه ​وفيق صفا​، ومن خلال "وسيط"، الأضواء من كلّ الاهتمامات السياسية في اليومين الماضيين، متفوّقة حتّى على زيارة رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ إلى فرنسا والأجواء التي أحاطت بها.

وبالموازاة، استمرّت "الضغوط" على المحقّق العدليّ، على وقع الاتهامات الموجَّهة له بـ"تسييس التحقيقات"، والتي تقاطعت "المصالح" على خطّها، لتجمع مرّة أخرى "الثنائي الشيعي" ممثَّلاً بـ"حزب الله" و"​حركة أمل​"، مع رؤساء الحكومات السابقين، وخلفهم "​تيار المستقبل​"، ولكن أيضًا الوزير السابق "المنشقّ" عنه نهاد المشنوق.

ولم يكن تيار "المردة" بعيدًا عن هذا "التحالف"، هو الذي أطلق العنان لدعاوى ما يسمّى بـ"الارتياب المشروع"، التي يُعتقَد أنّها ستتلاحق في الأيام المقبلة، ويُخشى أن تحمل معها "المصير المحتّم" لقاضي التحقيق، أسوةً بسلفه ​القاضي فادي صوان​، الذي أخرِج "عنوةً" بعدما ادّعى على الشخصيات "المتضرّرة" نفسها.

فهل اتُخِذ القرار فعلاً بـ"تطيير" القاضي طارق البيطار، بالطرق القانونيّة إن أمكن، مع بعض "الترهيب"، المدروس ربما، لا سيّما مع إحجام "حزب الله" عن تأكيد أو نفي التسريبات المتداولة بهذا الشأن؟ وكيف يمكن أن يُقرَأ قرار من هذا النوع، إذا ما صدر، خصوصًا أنّ "الرسالة" منه لن تكون عصيّة على الفهم والاستيعاب؟.

يقول البعض إنّ القاضي طارق البيطار، رغم محاولته أخذ "العِبرة" من تجربة "سلفه"، وقع في فخّ "التسييس" الممزوج بـ"الشعبوية" نفسه، فعلى الرغم من أنّه سلك المسار القانونيّ في المرحلة الأولى، عبر طلب رفع الحصانات، والأذونات اللازمة، إلا أنّ ادعاءاته جاءت بمجملها "مستنسَخة" عن خلاصات صوان، ومتقاطعة عند "ما يطلبه الجمهور".

ويتحدّث هؤلاء المنتقِدون عن سلسلة "تحفّظات" بدأت تظهر على أداء القاضي البيطار منذ الأيام الأولى، ودفعت إلى "ريبة مشروعة" من أدائه، وقد وصلت إلى ذروتها مع "مذكرة الإحضار" التي أصدرها بحقّ رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، حين كان لا يزال على رأس مسؤوليّاته، في "سابقة" من نوعها، فُسّرت "استفزازًا" لفئة سياسيّة معيّنة، قبل أن تُستلحَق بـ"مذكّرة توقيف" بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، من دون أن يتمّ استجوابه حتى.

لكنّ هذه "التحفّظات" تبدو مرفوضة في الشكل والمضمون، من قبل المدافعين عن القاضي البيطار، الذين يلفتون إلى أنّ "الخطوط الحمراء" التي يرسمها السياسيّون من شأنها الإطاحة بالتحقيق عن بكرة أبيه، علمًا أنّهم يتحمّلون المسؤولية الأساسية والجوهرية في مراوحته مكانه بعد أكثر من 13 شهرًا على الانفجار الرهيب والآثم.

يقول هؤلاء إنّ الطبقة السياسية "لامت" القاضي صوان على تجاوز "الأذونات والحصانات" والقفز فوقها، فجاء القاضي البيطار ليحترمها، لكنّ النتيجة التي "فضحت" الطبقة السياسية تمثّلت بأنه لم يحصل على شيء من مراده، فالأذونات رُفِضت بمعظمها، أما طلب رفع الحصانات فرُمي في سلة المهملات، ولم يُدعَ البرلمان لجلسة للتصويت عليه.

على العكس من ذلك، يشير هؤلاء إلى أنّ ​مجلس النواب​ دعي إلى التصويت على ما اصطلح بتسميتها بـ"عريضة العار" التي تشكّل "انقلابًا" على رفع الحصانات، وتفرغ التحقيق من مضمونه، عبر تحويله إلى ما يسمّى "مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء" الذي لم ينجز شيئًا في تاريخه، والأنكى أنّه مشكّل من الكتل السياسية المدّعى عليها.

ويلفت المدافعون عن أداء القاضي البيطار إلى أن كل ما سبق تزامن مع "ضغوط قصوى" مارسها "حزب الله" منذ الأيام الأولى، حيث تولّى أمينه العام السيد حسن نصر الله التصويب الدوريّ على المحقق العدلي، واتهامه بـ"التسييس"، ولم يتردّد بالدعوة لاستبداله، إذا ما أصرّ على المضيّ بالنهج نفسه، وهو ما تُرجِم برسالة "التهديد"، بمعزَلٍ عن صحّتها.

وإذا كان هناك من يعتقد أنّ "حزب الله" يتوجّس من سيناريوهات توحي بأنّ "رأسه مطلوب"، وأنّ هناك من يسعى لتحميله المسؤوليات عبر حلفائه في قضية انفجار المرفأ، فإنّ الوزير المشنوق ذهب أبعد من ذلك باتهامات "التسييس"، ولكن في اتجاه مختلف، عبر القول إن المحقق العدلي يأتمر بأوامر "المستشار الرئاسي" سليم جريصاتي.

وبين هذا وذاك، يبقى الثابت والأكيد أنّ السلطة السياسية، المتخاصمة فيما بينها، متفقة، وربما "متواطئة" على الإطاحة بأيّ تحقيق من شأنه وضع أيّ من قياداتها موضع الاتهام، وكأنّ المطلوب أن يكون فقط "صغار الموظفين" هم من يتمّ محاسبتهم، بعيدًا عن أيّ "مسّ" بالأحزاب النافذة والتقليدية، صاحبة الأمر والفعل في كلّ شيء.

لكن، ماذا لم تحقّقت التنبؤات، و"طار" القاضي البيطار، في "سيناريو" يعتقد كثيرون أنّه وُضع موضع التنفيذ؟ أيّ "رسالة" يوجّهها مثل هذا الإجراء لأهالي الضحايا وللمجتمع الدولي الذي يصرّ على تحقيق شفّاف وعادل؟ والأهم من ذلك، أيّ قاضٍ سيتجرّأ بعد اليوم على القبول باستلام الملفّ، وهو مدرك سلفًا للخطوط الحمراء الموضوعة في وجهه؟.

ثمّة من يقول إنّ الأولى قد يكون "إقفال" الملف بالشمع الأحمر في هذه الحال، فطالما أنّ التحقيق الدولي مرفوض، وطالما أنّ أيّ قاضٍ سيكون "مُحاصَرًا" بالقيود والضغوط من كلّ حدب وصوب، لا فائدة مرتجاة من تحقيق بجريمة كبرى بحجم "زلزال" انفجار المرفأ، لن يقبل السياسيون النافذون إلا بوضعها في إطار "القضاء والقدر".

قد يكون إنهاء التحقيق عن بكرة أبيه، والاعتراف جهارًا بأنّ الضغوط السياسية أقوى من المطالبات بالعدالة، أفضل وأكثر رحمة، من "مهزلة" الذهاب إلى تحقيق شكليّ يغلبّ فرضية "القضاء والقدر"، التي ستشكّل "إهانة" للضحايا وذويهم، و"استخفافًا" بجميع اللبنانيين الذين لم يستفيقوا بعد من "هول" صدمة الرابع من آب!.