يعيش النازحون الفلسطينيون من سوريا معاناة انسانية لا توصف، هي مضاعفة عن أترابهم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ذلك ان رحلة اللجوء والترحال لم تتوقف واستمرت مع الاحداث الامنية في سوريا في العام 2011، وقد جاءت تداعيات الازمة اللبنانية المعيشية وجائحة "كورونا" لتحاصرهم بين خيارات كلها مرة: العودة طوعا كخيار افضل من "البهدلة" والفاقة، او الهجرة نحو الدول الاوروبية لمن استطاع اليها سبيلا، او العيشبمعاناة وتحت خط الفقر المدقع مع ازدياد متطلبات الحياة والغلاء وارتفاع الاسعار.

وأدت الخيارات المرة الى تراجع عددهم من أكثر من 60 الف نسمة في ذروة النزوح الى نحو 27 الف،ينتشرون في مختلف المخيمات الفلسطينية وهم يشكون اليوم من تقصير واهمال وكالة "الاونروا" في رعايتهم وتأمين احتياجاتهم، وآخرها الظلم الذي لحق بهم جراء تأخير تسليمهم المساعدات المالية النقدية اسوة بلاجئي لبنان وحرمان اطفالهم دون 18 عام من الاستفادة منها بعد اقرارها سابقا.

ويؤكد منسق "تجمع اللجان الأهلية لفلسطينيي سوريا" في منطقة صيدا محيي الدين سلامة لـ"النشرة"، ان ادارة "الاونروا" تتعامل مع مطالبنا باستخفاف لا يوصف، وعمدت الى تأخير تسليمنا المساعدات الماليّة من بداية شهر ايلول الجاري الى يوم الثلاثاء المقبل في 28 الجاري، ونحن بحاجة ماسة اليها في هذه الظروف المعيشية الصعبة والازمات المتلاحقة، وفي ظل موسم المدارس والمونة وارتفاع تكاليف الحياة في لبنان"، متسائلا عن الاسباب التي دفعت الى الغاء المساعدة للاطفال دون 18 عاما وفق ما كانت مقررة، دون اصدار ايّ بيان توضيحي"، معتبرا ان ذلك "ظلما يزيد من معاناتنا ويؤشر الى نموذج التقصير الذي تنتهجه "الاونروا" في التعامل معنا".

ويتقاضى النازحون الفلسطينيون من سوريا مساعدات شهرية من صندوق الانماء الاوروبي "مدد" كبديل عن الايواء مقداره مئة دولار اميركي، اضافة الى بدل غذائي من منظمة "الغذاء العالمي" مقداره 300 الف ليرة لبنانية بعدما كان قبل اشهر قليلة عبارة عن 100 الف ليرة لبنانية فقط، فيما "الاونروا" لا تقدم اي معونة شهرية، باستثناء خدماتها الصحية والتربوية التي تقدمها الى لاجئي لبنان وهي شحيحة وغير كافية اصلا وتسد نسبة مئوية فقط من تكاليف الاستشفاء.

ودفعت هذه المعاناة النازحين الى تنظيم سلسلة وقفات احتجاجية بالتزامن مع بعضها البعض، امام مكاتب الاونروا" في جميع المخيمات والمناطق اللبنانية للاحتجاج على تأخير صرف المستحقات الشهرية، وإلغاء المساعدة الإستثنائيةبقيمة 40$ للاطفال دون18 عاما وللمطالبة بها، ودعا النازح يوسف أحمد عبر "النشرة"، ادارة الولكالة للكف عن العبث بمعاناتنا ومصيرنا والتأخير بدفع المستحقات النقدية شهريا"، رافضا دفعها كل شهرين،لان ذلكيشكل عبئا كبيراويراكم الديونه في ظل الغلاء"، مطالبا "بحلول جذرية لمعاناة الاف العائلاتالنازحة التي تعيش ازمات متراكمة نتيجة الوضع المعيشي القاسي في لبنان".

ويعبر النازحون عن مخاوفهم من الفوضى التي تسود عملية توزيع المساعدات اصلا،كما جرى مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، اذ لم يتم التعاقد مع أي من المصارف حتى الان، وقد جرى اعتماد "ليبان بوست" كمراكز للتوزيع، وسط الازدحام الكبير وفي ظل جائحة "كورونا"، والاخطاء التي ترد في اعداد افراد العائلات وسواها مع الحديث عن محدوديّة الاموال المرصودة للمساعدة وقرب نفادها، في وقت تحاول فيه"الاونروا" تنظيم العملية عبر ارسال رسائل نصية لتحديد موعد استلام المساعدة تفاديا للازدحام والفوضى.

ويؤكد مسؤول "الجبهة الديمقراطية" في مخيم عين الحلوة فؤاد عثمان لـ"النشرة"، ان معاناة اللاجئين والنازحين في لبنان واحدة ولا تنفصل عن بعضها البعض، وتتحمل "الاونروا" مسؤولية التقصير وعدم اللامبالاة، مضيفا انه"منذ بدء الازمة اللبنانية وانتشار "كورونا" ونحن نطالب بضرورة اعتماد خطة طوارئ اغاثية مستدامة عبر تأمين المساعدات المادية والعينية دوريا تساهم بتخفيف المعاناة، ورفع نسبة كلفة الاستشفاء في ظل الظروف الصعبة وتغطية عمليات تمييل القلب عبر التعاقد، ورفع نسبة تغطية الصور الشعاعية وتأمين الأدوية ذات الكلفة العالية، وزيادة عدد الأطباء في عين الحلوة ورفع نسبة حالات العسر الشديد من 14 الى 60/100 كحد ادنى،واعادة النظر في البرنامج بما يخدم مصلحة شعبنا"، مشددا ان التحركات ستتواصل حتى تستجيب ادارة الاونروا لهذه المطالب المحقة".

غضب البارد

والى جانب احتجاج النازحين، انفجر الغضب الشعبي في مخيم نهر البارد شمالا نتيجة التلكؤ باعادة اعماره،إفساحاً في المجال لعودة باقي السكان إلى منازلهم وإيجاد الحل المناسب لسكان البركسات وبالتدرج بعد التدقيق بالأسماء، حيث جرى اقتحام المكاتب والعبث فيها احتجاجا واضرام النار بالاطارات، حيث سارعت الاونروا الى تعليق العمل قبل ان يعقد اجتماع بين "هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك"، والمدير العام لوكالة "الأونروا" في لبنان كلاوديو كوردوني، في المكتب الرئيسي للوكالة في بيروت، بحضور وفد من مخيم نهر البارد، أكد على "ضرورة بذل الجهود للإسراع باستكمال إعادة إعمار المخيم ومنع أي اعتداء على المكاتب، ورفض واستنكار أي تعدٍّ على مؤسسات وموظفي "الأونروا" تحت طائلة المساءلة والمحاسبة مع الحرص على أهمية التعبير عن رأيهم ومطالبهم بالطرق السلمية والحضارية، وهذا حق يكفله الجميع.

وأكد كوردونيعلى استمرار العمل في إعادة إعمار مخيم نهر البارد، وبذل الجهود للاستجابة للمطالب المطروحة، موضحا أن "اللجنة المكلّفة بإعادة الإعمار هي الجهة الوحيدة المخولة بالمراجعة والمتابعة بالتشاور والتنسيق مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك في منطقة الشمال".