بات من الواضح أن مصر والأردن تقودان محور الانفتاح العربي على لبنان، في المرحلة الراهنة، بعد أن لعبتا دوران أساسيان في الدفع نحو تشكيل الحكومة، الأمر الذي يفسر المواقف التي صدرت عن الدولتين، في الأيام الماضية، لا سيما تلك التي أطلقها الملك الأردني عبدالله الثاني، من على منبر الأمم المتحدة، قبل أن يبادر إلى الاتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالتزامن مع اتصال آخر جاء من وزير الخارجية المصرية سامح شكري، أكد خلاله استمرار التنسيق المصري مع "دول شقيقة وصديقة" لدعم لبنان.

ضمن هذا السياق، تأتي الزيارة التي سيقوم رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إلى بيروت، مساء الاربعاء، حيث سيلتقي ميقاتي وكبار المسؤولين، وتستمر زيارته الى يوم الخميس، في مؤشر واضح على أن القاهرة وعمان ستعملان على محاولة ملء الفراغ الذي يتركه الغياب السعودي عن الساحة اللبنانية، نظراً إلى مصلحتهما في الحفاظ على الاستقرار فيها، بالإضافة إلى رغبتهما بالاستفادة من الفرص الإقتصادية المحتملة، لا سيما بعد اطلاق الولايات المتحدة مسار استيراد الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الأردن.

في هذا الاطار، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الحراك المصري الأردني ما كان ليحصل من دون غطاء أميركي واضح، خصوصاً بالنسبة إلى عمان التي تربط ملكها علاقات قوية مع الدول الغربيّة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن خطوات بعيدة عن قرار كبير بإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة من جديد.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا القرار يرتبط بالدرجة الأولى بالأوضاع على الساحة السورية، لا سيما أن أساس مبادرة عبدالله الثاني ينطلق من فرضية إعادة التواصل مع دمشق من بوابة الملفات الاقتصادية، التي قد تشكل فرصة نحو إعادتها إلى ما يسمى بـ"الحضن العربي"، وتلفت إلى أن الخطوات المتسارعة تجاه سوريا هي أكبر من تلك التي تحصل باتجاه لبنان.

من وجهة نظر المصادر نفسها، وضعت دمشق، في كل ما يطرح من مشاريع لمساعدة لبنان، كبوابة عبور لا مفر منها، وبالتالي لا يمكن تصور أن كل الجهود الأميركية، التي تصب في هذا الاتجاه، هي لمساعدة لبنان فقط، وتعطي مثالاً على ذلك الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع عدد من نظرائه العرب.

لبنان من الممكن أن يستفيد على نحو كبير من هذا الانفتاح في المرحلة المقبلة، بالرغم من أن الرهان بالحصول على مساعدات مجانية من مصر أو الأردن هو في غير مكانه، نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلدين، حيث الاستفادة الأساسية هي من وجود مسار جديد في المنطقة، من المنتظر أن يستكمل على ضوء المشاورات الحاصلة على أكثر من صعيد، سواء على المحور الأميركي الإيراني أو على المحور السعودي الإيراني.

على هذا الصعيد، ترى مصادر نيابية، عبر "النشرة"، أن المطلوب من حكومة ميقاتي، التي لن يمتد عمرها الفعلي أكثر من 3 أشهر، تحضير الأرضية لذلك عبر مسار باتت معالمه واضحة إلى حد بعيد، من خلال العمل على وقف الإنهيار أو التخفيف من حدّته، بالتزامن مع اطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي باتت شرطاً أساسياً لأي مساعدات من الممكن أن يحصل عليها لبنان.

وتشير هذه المصادر إلى أن هذا المسار يتضمن أيضاً العمل على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، نظراً إلى أن بدء الاستفادة من النتائج الايجابية من المفترض أن يحصل بعد الانتهاء من هذا الاستحقاق الدستوري، بغض النظر عن النتائج التي سيفرزها على مستوى صناديق الإقتراع، خصوصاً أن المسارات التفاوضية في الإقليم يجب أن تكون نتائجها قد باتت واضحة في ذلك الوقت.

في المحصّلة، تشدد المصادر نفسها أن الاستفادة الكبرى، التي من الممكن مراهنة لبنان عليها، تكمن بنتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية، التي ستنعكس على المنطقة برمتها، من دون تجاهل تلك القائمة بين طهران والرياض، بالإضافة إلى إمكانية فتح مسار معالجة الأزمة السورية، عبر مفاوضات أميركية روسية ستكون نتائجها هي الأكثر أهمية، لكنها تجزم بأن هذه المسارات لن تكون سهلة على الإطلاق، بالنظر إلى الكثير من الألغام التي تعترض طريقها.