لم يكن ليحصل اللقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان لولا المستجدات الدسمة في الإقليم. لا يمكن إبعاد أي خطوة عن سلسلة المحطَات التي شكّل الإنسحاب الأميركي من افغانستان أبرز ركائزها. أظهرت خطوة واشنطن الحاجة المتبادلة الروسية-الأميركية الى التنسيق العسكري والسياسي والأمني والإقتصادي بينهما، عملياً، بما يتعدّى حدود افغانستان نحو ترتيب أوضاعِ إقليمٍ يضج بالأحداث، خصوصاً ان موسكو تسعى لإبقاء الإتحاد الروسي سالماً ومستقراً ومحاطاً بساحات مضبوطة، بينما لا ترغب واشنطن بأن تترك فراغاً يطيح بحلفائها في الإقليم ذاته. ومن هنا يصبّ التواصل المفتوح بين الأميركيين والروس، من أجل دوزنة تلك الساحات، رغم عدم وجود توافق تام بين موسكو وواشنطن، لكن إلى متى؟.

يستطيع الروس ان يلعبوا أدواراً إقليمية مهمة، بسبب علاقاتهم الطيبة مع كل من الإيرانيين والأتراك والإسرائيليين والعرب، في وقت لا يخشى فيه الاميركيون من دور موسكو في هذا الإقليم: ينسق الفريقان خطواتهما في ليبيا، وتثق إدارة البيت الأبيض الحالية، نسبياً، بدور الروس في سوريا.

لكن توجد معضلة جوهرية: دور القوات الكردية المدعومة مالاً وسلاحاً وسياسةً من الولايات المتحدة الأميركية. لا ترغب واشنطن بالتخلي عن حلفائها بسهولة، وهو ما يثير قلق الأتراك الذين يحاولون مجدداً إقناع الروس بوجوب كسر مشروع الإنفصال الكُردي، مقابل سحب اردوغان البساط من تحت المجموعات الاسلامية الموجودة في إدلب.

اذا كان التفاوض مفتوحاً حالياً، ويحطّ في لقاء بوتين واردوغان، فإنّ الروس ضغطوا عسكرياً في شمال سوريا، قبل الوصول الى اجتماع رئيسي الاتحاد الروسي وتركيا. يرغب الروس في تحقيق انجازات عسكرية استراتيجية في إدلب، وفتح طرق رئيسية في سوريا الآن، تشكّل عامل وصل بين اللاذقية وحلب عبر ريف إدلب. فهل يقتنع الرئيس التركي بتسليم تلك المناطق للسوريين من دون اشتباكات وعمليات عسكرية؟.

لم يعد امام اردوغان من خيارات سوى القبول بما سيطرحه بوتين عليه، علماً ان الرئيس الروسي جهّز ملفه بعد تنسيق كامل مع الرئيس السوري بشار الاسد بشأن ادلب وجوارها الحدودي، حيث تمّ إتخاذ القرار. فما هو؟ بقي طي الكتمان، لكن زيارة الاسد الى روسيا، ثم زيارة اردوغان، تشيران الى تطورات ضخمة آتية، مما يفرض رصد جبهة ادلب في الايام المقبلة.

من الشمال السوري، الى الجنوب، حيث سرّعت المملكة الاردنية من اجراءاتها بالانفتاح على دمشق برّاً وجوّاً، عبر فتح الحدود واعادة رحلات الطيران بين البلدين، بعد مباحثات منتجة توجتها زيارة وزير الدفاع السوري الى الأردن. كل ذلك تمّ بعد عملية عسكرية في درعا، وحصول عمّان على ضوء اخضر اميركي، ترسّخ بقرار جرّ الغاز من مصر الى لبنان عبر الاردن وسوريا. انها تحوّلات توحي بطي صفحة سوريا وفتح بديلة منها، على وقع التفاوض الاقليمي والدولي المفتوح.

لم تنته المؤشرات الدسمة عند هذا الحد، بل يمكن استحضار سُبل التعامل الجديد مع دمشق بعد قطيعة مارستها دول بحق سوريا: لقاءات وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في نيويورك مع نظرائه ووفود. استعداد اماراتي لدعم اعادة اعمار سوريا، وهي مسألة يحاول الروس ان يُقنعوا السعودية أيضاً بالدخول في أطرها.

تأتي تلك المحاولات في ظل تفاوض ايراني-سعودي في بغداد، يحمل ايجابيات واضحة في الشكل والمضمون، فهل يتم الاتفاق؟ في حال حصل اتفاق خليجي مع طهران، فإن العراق وسوريا ولبنان سيشهدون ارتياحاً واسعا وبعيد المدى. فلننتظر، المشهد يتضح يوماً بعد يوم، بالتزامن مع التواصل بين واشنطن وطهران لإحياء الاتفاق النووي.