في الأيام الماضية، طُرحت الكثير من الأسئلة حول موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من زيارة سوريا، لا سيما بعد أن أعلن أنه لن يذهب إلى دمشق بسبب العقوبات المفروضة عليها، الأمر الذي صُنّف من قبل البعض على أساس أنه موقف سلبي، يؤشر إلى استمرار السياسة نفسها المعتمدة من قبل الجانب اللبناني منذ سنوات طويلة.

في حقيقة الأمر موقف ميقاتي غير سلبي، نظراً إلى أنّ الرجل لم يربط موقفه من الزيارة بأي موقف شخصي، بل بالتداعيات التي من الممكن أن تترتب عن ذلك، خصوصاً أنه يضع على رأس قائمة أولوياته العمل على اعادة الاعتبار إلى علاقات لبنان الخارجية، وبالتالي هو ليس في وارد المغامرة في موقف متسرع من هذا النوع.

في هذا السياق، ترى مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أنه لا يمكن الطلب من رئيس الحكومة، ابن مدينة طرابلس الذي لم يعلن حتى الساعة عدم رغبته في المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، أن يذهب إلى زيارة دمشق، لا سيما أن هذه الزيارة قد تمثل انتكاسة كبيرة له على المستوى الشعبي، وتذكر بأن رئيس الحكومة السابق حسان دياب، الذي لم يكن لديه ما يخسره على هذا الصعيد، لم يجرؤ على الذهاب إلى مثل هذه الخطوة.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن هذه الزيارة، إلى جانب التداعيات الدولية، قد يكون لها أخرى على المستوى الداخلي، خصوصاً أن بعض الأفرقاء المشاركين في الحكومة، كرئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، لن يوافقا عليها، بينما الأولوية اليوم يجب أن تكون لتأمين التضامن الوزاري في مواجهة الملفات الصعبة التي تنتظر الحكومة.

من وجهة نظر هذه المصادر، الموقف الصادر عن رئيس الحكومة لن يكون له أي تداعيات على مستوى التعاون السوري اللبناني في بعض الملفات، لا سيما في ما يتعلق بإستيراد الغاز المصري أو استجرار الكهرباء من الأردن، نظراً إلى أن هذا الملف أكبر من الساحة اللبنانية، وبالتالي لا يمكن أن يشكل موقف ميقاتي عائقاً أمامه، بدليل عدم توقف الزيارة التي كان يقوم بها وفد فني سوري لمعاينة خط الغاز في الجانب اللبناني، بالتزامن مع صدور هذا الموقف.

في هذا الاطار، تؤكد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن الموقف الصادر عن رئيس الحكومة لا يعني توقف مسار الزيارات الرسمية بين الجانبين، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها وفد من الحكومة السابقة برئاسة نائبة رئيس الحكومة زينة عكر، حيث أن تلك الزيارة كان بغطاء مباشر من الولايات المتحدة، وتشير إلى أن عدداً من الوزراء الحاليين لن يتوانوا عن تكرار هذه الخطوة متى دعت الحاجة إلى ذلك، وتضيف: "في الأصل الاتصالات بين وزيري الطاقة في البلدين قائمة".

وتلفت هذه المصادر إلى أن ما يطالب به ميقاتي، أي موقف المجتمع الدولي، يتضح من خلال الانفتاح الأردني على الجانب السوري، نظراً إلى أنّ عمان، المعروفة بعلاقاتها مع الدول الغربيّة، لديها الغطاء الدولي الذي يريده رئيس الحكومة اللبنانية، وترى أن الفارق هو أنها سارعت إلى الاستفادة من التحولات الجديدة، على مستوى الموقف من الأزمة السورية، من أجل تأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية بالدرجة الأولى.

في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن طريق دمشق لن تبقى مغلقة سياسياً، نظراً إلى التحولات التي تنتظر علاقة سوريا مع العديد من الدول العربية في الفترة المقبلة، الأمر الذي من المفترض أن يتسارع في الأسابيع المقبلة على نحو لافت.