تؤكّد مختلف المعطيات الحاليّة أن الإنتخابات النيابية على الساحة المسيحية ستكون الأكثر حماوة على الإطلاق، لا سيّما أنها تأتي مباشرة قبل استحقاق الإنتخابات الرئاسيّة، الأمر الذي يدفع مختلف الأفرقاء الفاعلين إلى البحث في كيفية تأمين الحصول على الكتلة الأكبر.

في هذا السياق، بات من الواضح أنّ غالبية القوى المعارضة لـ"​التيار الوطني الحر​" تسعى إلى تنظيم صفوفها، منذ اليوم، تحت عنوان الخطاب المعارض، خصوصاً أن جميعها، باستثناء "​تيار المردة​"، إختارت عدم الدخول في الحكومتين الأخيرتين، أي حكومة حسان دياب السابقة وحكومة ​نجيب ميقاتي​ الحالية.

هذا الواقع، ينعكس على طريقة إدارة كل فريق لمعركته الإنتخابيّة، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، حيث إختار حزب "القوات اللبنانية" الذهاب إلى تشكيل جبهة سياسية بالتعاون مع عدد من الأحزاب والشخصيات المسيحيّة، تمّ الإعلان عنها في الأيّام الماضية من مركز حزب "الوطنيين الأحرار"، بالرغم من الحديث عن أنّها ليست جبهة انتخابيّة، في المقابل رفض حزب "الكتائب" الإنضمام إلى هذه الجبهة، بسبب الملاحظات التي لديه على بعض القوى المشاركة فيها، خصوصاً "القوّات"، مفضلاً الإستمرار بالتحالف مع مجموعات من المجتمع المدني.

في المقابل، لا يمكن تجاهل وجود مجموعات أخرى من المجتمع المدني لا تريد التحالف مع "القوات" ولا مع "الكتائب"، نظراً إلى أن لديها أفكارها الخاصة التي تريد أن تعبّر عنها، لا سيّما أنها لا تريد أن تساهم فقط في مساعدة الأحزاب الكبيرة على تأمين فوزها بمقاعد إضافية، من خلال رفع الأصوات التي من الممكن أن تحصل عليها اللوائح، بينما هي تفشل حتّى في إثبات حضورها الفعلي.

من وجهة نظر هذه المصادر، تتشارك كل هذه الجبهات والمجموعات في الشعارات التي ترفعها، سواء كانت سيّاسية متعلقة بسلاح "​حزب الله​" أو كانت إجتماعية أو إقتصادية، لكنها تتنافس فيما بينها على توجيه الإتّهامات لبعضها البعض، كما هو الحال بالنسبة إلى "الكتائب" و"القوّات"، ما سيقود إلى تشتيت الأصوات التي تصنّف على أساس أنها معارضة لـ"الوطني الحر"، حتى ولو كانت الحملات التي تشنّ ضدّه قادرة على لعب دور في تقليب الرأي العام في هذه الساحة ضدّه، خصوصاً بالنسبة إلى الفئات التي تُصنف مترددة أو لا تحسم خياراتها مبكراً.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا الواقع قد يصبّ في صالح التيّار، الذي يستفيد حكماً من تشتّت خصومه في خوض الإستحقاق الإنتخابي، بينما هو يدرك جيداً أنّ من وقف إلى جانبه، طوال الأشهر الماضية، لن يتخلّى عنه اليوم، لا بل هو يستفيد من عدّة عوامل تصب في صالحه، أبرزها عدم وجود العدّة التي يحتاجها معارضوه في هذه المعركة، بدليل ما حصل مؤخّراً في التعامل مع توزيع المازوت الإيراني في عدد من المناطق المسيحيّة.

بالتزامن، لا يبدو أنّ تلك الجبهات والمجموعات، بحسب ما ترى المصادر المتابعة، تدرك أنّ الذهاب إلى التصعيد السياسي لن يصبّ في صالحها، خصوصاً أنّ ما تحمله من شعارات لا يقدّم أيّ جديد عمّا كان طاغياً منذ العام 2005، لا بل هو يخدم "حزب الله" بالدرجة الأولى، الذي يستفيد منها لشد عصب جمهوره أكثر، بينما هو من الممكن أن يؤثّر في الساحات الأخرى التي يظهر فيها بموقع المنقذ الذي يقدّم المساعدات إلى أبنائها.

من وجهة نظر هذه المصادر، يدرك "التيار الوطني الحر"، أكثر من أيّ فريق آخر، أهميّة هذا الإستحقاق بالنسبة إلى مستقبله السّياسي، لا سيما في ظل تكتل خصومه ضدّه، الأمر الذي سيدفعه إلى إستغلال أيّ فرصة لكسب المزيد من النقاط التي تصبّ في صالحه، خصوصاً بعد المعركة "النّاجحة" التي خاضها في عمليّة تأليف الحكومة الحاليّة، تحت عنوان الدفاع عن ​حقوق المسيحيين​ وإحترام صلاحيات رئيس الجمهوريّة.

في المحصّلة، الوقائع الحالية، لا سيما على مستوى تشتت خصوم "التيار الوطني الحر"، لا تظهر القدرة على احداث تغيير وازن في الإنتخابات النّيابية ضمن الساحة المسيحيّة، بالرغم من إمكانيّة خسارته لعددٍ من المقاعد النّيابية في بعض الدوائر.